تهدئة غزة: الكيان الصهيوني الردع وقرار الحرب

عامر نعيم الياس

أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التوصّل إلى اتفاق تهدئة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال «الإسرائيلي»، يشمل وقف إطلاق للنار في قطاع غزة والسماح بالصيد في بحر غزة إلى عمق 6 أميال بحرية، مع إرجاء ملف ميناء ومطار غزة إلى المفاوضات التي ستستأنف بعد شهر من تاريخه وبرعاية مصرية. وفور الإعلان عن التهدئة صدر بيان عن البيت الأبيض أبدى فيه دعمه الكامل لها، فيما طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون برفع الحصار المفروض على قطاع غزة فوراً.

على الصعيد الإعلامي كما الميداني واكبت المقاومة وفصائلها ووسائل الإعلام المنضوية تحت رايتها والمؤيدة لثقافتها الحدث الذي شكّل بالمقابل صدمةً على كافة المستويات في الكيان الغاصب، خاصةً على المستويين العسكري والسياسي الحكومي، فالقناة الثانية «الإسرائيلية» تنبّأت بنهاية مستقبل نتنياهو السياسي، ولعلّ في استطلاعات الرأي الصهيونية التي واكبت العدوان «الإسرائيلي» على غزة منذ البداية ما يبرّر ما توصّلت إليه القناة الثانية للعدو، ففي الأيام الأولى للعدوان تجاوزت نسبة تأييد قرار نتنياهو الـ80 في المئة، لكن في الأيام الأخيرة تدنّت هذه النسبة إلى ما دون الـ35 في المئة، انخفاض يؤشر إلى إخفاق تجاوز حدود ما هو سياسي، إلى ما هو نفسي لدى مجتمع المستوطنين والمجنّدين.

إنّ التوصل إلى تهدئة بعد 51 يوماً من العدوان تميّزت أيامه الأخيرة بحرب استنزاف متبادلة، يعكس العديد من الحقائق أهمّها:

نقف اليوم في مواجهة كيان يتراجع منسوب تفوّقه البياني منذ عام 2006 مقارنةً بتعاظم قدرات فصائل المقاومة على جبهتي جنوب لبنان وجنوب فلسطين المحتلة، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار استراتيجية الجبهات المترابطة التي تحكم العقل الاستراتيجي العسكري في الكيان الصهيوني، يمكننا أن نقول إنّ قرار شنّ الحرب لم يعد بمتناول يد قيادات الكيان السياسية والعسكرية تتخذه وفقاً لاستراتيجيتها أو تنفيذاً لاستراتيجيات الغير، وبالتالي فإنّ قرار أيّ حرب مقبلة ستحكمه جملة عوامل وحسابات معقدة تحدّ من قدرة الكيان على الهجوم، وهو ما سيؤدّي إلى تباعد الفواصل الزمنية بين الحرب والأخرى مع ما يعنيه ذلك من تعزيز درجات استعداد المقاومات على الجبهات المختلفة في دول الطوق.

تراجع الدور الوظيفي المنوط بالكيان الصهيوني والذي بدأت أولى إشاراته عام 2000 مع انسحابه من جنوب لبنان، وتعزّز بما نشهده اليوم من فوضى في المنطقة تحت مسمّى «الربيع العربي» والذي أفرز قوىً على الأرض واستراتيجيات تعتمد التدمير الذاتي بأيدي مرتزقة يرتكزون على فكر طائفي يولّد ديناميات صراع تدميري يغيّر وجه المنطقة بما يتلاءم مع الاستراتيجيات الأمريكية. هذه القوى التي لم تشكل خلال السنوات الأربع الأخيرة أي عبء على واشنطن وأدواتها بل على العكس أفسحت في المجال أمام تطوير تحالف خليجي صهيوني علني ضدّ عدو مشترك جديد.

الردع المتبادل، فقبيل الإعلان عن التهدئة أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية صاروخاً باتجاه تل أبيب يحمل في طياته رسائل تتجاوز مستوطنات غلاف غزة وحركة النزوح التي رافقت هذا العدوان خلال الـ51 يوماً من عمره.

عدوان 2006 على جنوب لبنان وما رافقه من انتصار لحزب الله ليس حلقة في سلسلة مقطوعة، بل هو إنجاز أرّخ لتراكم انتصارات فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة.

زمن الانتصار الميداني بحاجة دائماً إلى مسار سياسي يحافظ عليه، وانطلاقاً من ذلك فإنّ الكرة في ملعب الفصائل الفلسطينية ورؤوسها الحاكمة أولاً، وفي ملعب ما تبقى من نظم عربية ثانياً، لحشر الكيان المقبل على أزمة سياسية وحكومية.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى