«غلاف غزة الاستيطاني» حرّرته المقاومة من المستوطنين
يوسف المصري
انتهت ملحمة الـ51 يوماً من الصمود الاستثنائي في غزة، ولكن الحرب لم تنته. ومع ذلك فان المعركة التي بدأها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحت عنوان ضرب بنية حماس، ومن ثم انخفض سقف الشعار لمستوى تدمير الأنفاق، انتهت من دون تحقيق أي من الهدفين الآنفين. وعلى العكس من ذلك، فلقد طورت الحرب كما أدارتها مقاومة غزة، نتائجها باتجاه تحقيق أهداف غير مسبوقة في تاريخ حركة المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها في عقد ستينات القرن الماضي حتى اليوم:
أولها – نجحت مقاومة غزة في إنهاء الانقسام الفلسطيني، وجعلت كل أطياف الساحة الفلسطينية سواء في غزة أو في الضفة الغربية تتوحد وراء ورقة سياسية واحدة تشتمل على مطالب الشعب الفلسطيني من هذه الحرب وصولاً إلى رؤية أبعد حول الحل النهائي.
ثانياً – بمعنى من المعاني أدت نتائج هذه الحرب إلى «تحرير غلاف غزة» من المستوطنين. ويتجاوز هذا الأمر معناه الرمزي إلى شيء كبير من الحقيقة، وذلك بفعل حقيقة أن مستوطني غلاف غزة ما زالوا يرفضون العودة إلى مستوطناتهم، على رغم وقف النار، لأنهم غير واثقين من أن الجيش «الإسرائيلي» أنجز هدف إنهاء خطر أنفاق المقاومة عليهم. وأقله فإن هؤلاء لن يعودوا بمجرد وقف النار بل يطالبون بضمانات من نتنياهو تؤكد لهم أنهم أصبحوا في أمان، وهو أمر ليس بيده تقديمه نظراً لعجزه عن إخضاع مقاومة غزة، ما يأخذ مجمل مرحلة المواجهة بين المقاومة وإسرائيل في غزة إلى معادلة جديدة: «الهدوء» للمستوطنين مقابل رفع الحصار، وذلك بدل معادلة نتنياهو «الهدوء للفلسطينيين» مقابل خضوعهم للحصار. وبات مستوطنو غلاف غزة يعرفون أن ثمن بقاء الحصار على غزة وعدم تلبية مطالب الوفد الفلسطيني إلى القاهرة التي هي مطالب كل الشعب الفلسطيني، هو فقدانهم لاستقرارهم في مستوطناتهم.
ثالثها: أكدت هذه الحرب وللمرة الثالثة منذ عام 2006 أن «إسرائيل» باتت تفقد المزيد من قيمتها الاستراتيجية العسكرية كلما اندفعت بمواجهة حربية جديدة ضد طرف في محور المقاومة. وبنظر حتى المحللين الإسرائيليين فان «فائق القوة المتوحشة» لا يستطيع حسم أي حرب، وأن الإمعان في هذه النظرية سيأخذ يهود العالم إلى قطيعة مع «إسرائيل»، كون قتل الأطفال الفلسطينيين ليس فقط لا يؤدي إلى ربح الحرب، بل ويؤدي أيضاً إلى الإضرار بصورتهم في عيون المجتمعات الغربية التي يقطنون بين ظهرانيها، ما يقود إلى نتائج وخيمة على سلاسة حياتهم ومصالحهم هناك.
رابعاً – بعد هذه الحرب، يظهر بوضوح أنه لم يعد لـ «إسرائيل» أي خطة قابلة للتنفيذ بالنسبة لقطاع غزة. فالدخول إليه برياً، هو أمر يرفضه حتى ليبرمان لمعرفته بكلفته على الجيش «الإسرائيلي» ونتائجه الكوارثية على المدى المتوسط والبعيد. كما أن احتلال القطاع من الخارج عبر حصاره لم يعد ممكناً2 بالنظر إلى أن المقاومة ستقابله بعدم الموافقة على وقف إطلاق النار المرغوب «إسرائيلياً».
والمتوقع حالياً، أن هدنة الشهر المقترحة مصرياً والتي نالت الموافقة من الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، ستشهد حالة صخب «إسرائيلي» داخلي على غير مستوى:
المستوى السياسي حيث المتوقع سقوط نتنياهو عن كرسي رئاسة الحكومة.
المستوى الاجتماعي حيث يتأهب مستوطنو غلاف غزة وأصحاب المؤسسات السياحية والتجارية في عمق فلسطين المحتلة ومئات المصابين «بجراح» الهلع لمطالبة الحكومة بتعويضات مالية سخية. هذا إلى جانب أمر أبعد أثراً، يتمثل بالمساءلة الصعبة المنتظرة بين الجيش والحكومة تحت عنوان من الذي تسبب بالهزيمة وقتل الجنود عند جدار غزة؟!.