بوتين ـ أردوغان.. و«الحوض السوري»

نظام مارديني

لطالما احتاج الحدث في المنطقة إلى عقول تتجاوز التحليلات الآنية التي تغص بها إحداثيات العمل الإعلامي الذي يُعنى بالماكرو سياسة على حساب الميكرو سياسة.. إلا أنه لم يكن استهداف سورية بهذا الحجم من الصراع الدولي.. ببعيد من الصراع على مصادر الطاقة في العالم.

يشكل الغاز فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الحادي والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً أم من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا.. فإن السيطرة على مناطق خطوط الغاز في العالم تعتبر بالنسبة لدولة كبرى بمستوى روسيا في أساس الصراع الدولي وتجلياته العالمية، ولعل قمة «باكو» التي جمعت بوتين وروحاني وعلييف، على ضفاف «قزوين» تدخل في هذا التوجّه الذي يفتح الباب واسعاً أمام مشروع كبير لنقل الغاز من بحر قزوين إلى أوروبا.

بهذا المعنى يدخل الغاز في صميم اللقاءات التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بطرسبورغ من خلال معرفتهما أن لغة الطاقة الآتية إلى القرن الحادي والعشرين هي لغة الغاز. وكان من المؤكد أن يكون مشروع «السيل التركي» في صلب هذه اللقاءات في هذا الوقت، خصوصاً بعدما شعرت أنقرة أن حقها قد يضيع في بحر صراع الغاز طالما أن مشروع «نابوكو» أصبح على الرفّ فيما غاز «الحوض السوري» قد بات بعيداً من نفوذ تركيا، وهذا ما يفسّر حجم الصراع الكبير على سورية..

فضلاً عن أن تكون شركة «غازبورم» الروسية من أهم مستثمري أو مشغّلي حقول الغاز الحديثة العهد في كل من سورية ولبنان.. إذ لم يكن اختيارالتوقيت في 16/8/2011 عابراً كي تعلن وزارة النفط السورية عن اكتشاف بئر غاز في منطقة قارة وسط سورية وقرب حمص بما يحقق إنتاجية بقدرة 400 ألف متر مكعب يومياً أي ما يعادل 146 مليون متر مكعب سنوياً دون أي حديث عن غاز «الحوض السوري» على الشاطئ.. يضاف إلى أن المعلومات قالت إن هذا «الحوض» هو الأثرى في العالم بالغاز، حيث يؤكد معهد واشنطن أن سورية ستكون الدولة الأغنى.

في ضوء ذلك يمكن القول إن جوزيه ساراماغو كان قد اكتشف «في كل واحد منا شيئاً من الشيطان».. في الحالة الراهنة في الشيطان شيء من… رجب طيب اردوغان!

المراوغ، الراقص على كل الحبال، الزبائني، المتهتك سياسياً، الديكتاتور الذي لا يتحمّل عبارة انتقاد من ملكة جمال تركيا.. ، اكتشف أن الشرق الاوسط يدور الآن حول هيكل سليمان لا حول الكعبة، ولذلك يعتبر أردوغان أن إقامة كوندومينيوم تركي ـ «إسرائيلي» طاقوي قد يعوض تركيا خسارتها غاز «الحوض السوري».

الهذيان التركي في ذروته «الطاقوية».. أردوغان يمارس اللعبة الاستراتيجية كما لو أنها رقصة الدراويش..

يخاطب روبرت فيسك الرئيس التركي بالقول: إذا كنت أسقطت طائرة روسية ثم اعتبرت بوتين صديقك، لماذا لا تفعل مع بشار الشيء نفسه؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى