حلب… حقائق الواقع وحروب الإعلام!؟
هشام الهبيشان
منذ مطلع الرّبع الأول من هذا العام شهدت المناطق الشماليّة الشرقيّة والجنوبيّة والغربيّة من محافظة حلب شمال سورية، تسارعاً ملحوظاً في الأحداث الميدانيّة، ولم يكن أوّلها ولا آخرها مجموع الغزوات الفاشلة للمجاميع الإرهابيّة المسلّحة لأحياء حلب الغربيّة، والمستمرة إلى الآن، والتي تتصدّى لها وحدات الجيش العربي السوري وقوى المقاومة الشعبية، وليس آخرها ما يجري في محيط حيّ الراموسة، والتي تدّعي المجاميع المسلحة الإرهابيّة أنّها نجحت في تحقيق خرق عسكري في هذا الحيّ سمح لها بكسر حصار أحياء حلب الشرقيّة. ومع تسارع الأحداث على الجبهة الحلبيّة هذه الأيام، كثر حديث الإعلام المتآمر عن انتصارات ميدانيّة «كبيرة» للقوى المسلحة «النصرة ومن معها» في جبهة الراموسة ومجمّع الكليات العسكريّة تحديداً «جنوب غربي مدينة حلب»، وأخذت هذه الانتصارات الوهميّة مساحة اهتمام كبيرة على الصعيد الإعلامي، لأنّه الوحيد المتحدث فيها الآن، والكلمة الفصل، الأولى والأخيرة بهذه الانتصارات الوهمية هي للإعلام، لأنّها ما زالت حبيسة أخبار الإعلام وأقلام الكتّاب ودراسات المحلّلين.
ومع هذا الحديث الإعلامي، وبعد المراجعة الدقيقة لموازين القوى على الجبهة الحلبيّة السورية، لم نرَ لهذه الانتصارات أيّ وجود فعليّ على أرض الواقع وفق حجمها المتحدَّث به إعلاميّاً، مع التأكيد أكثر من مرة أنّ هذه الانتصارات الوهميّة ليست إلّا صنيعة الإعلام المتآمر، وهي عبارة عن أكاذيب. وفي آخر فصول تزوير الحقائق من قِبل وسائل الإعلام المتآمرة والشريكة في الحرب على سورية، هو حديثهم عن قرب سقوط حيّ الحمدانيّة «إلى الغرب من حلب المدينة». وهنا، لتوخّي الصدقيّة والمهنيّة، سأورد بعض التفاصيل الخاصّة بمجريات ما يدور من عمليات في بعض المناطق المحيطة بأحياء حلب الغربيّة، كما نقلت مصادر مطّلعة ومتابعة وذات صدقيّة.
بعد التقدم الذي حقّقه الجيش العربي السوري وقوى المقاومة الشعبيّة في بعض المناطق الواقعة إلى الشرق من مدينة حلب، وإطباق الحصار الكلّي على أحياء شرق مدينة حلب، وبعد تهاوي صفوف الجماعات المسلّحة المتطرّفة في هذه المناطق، ومع زيادة خشية هذه المجاميع المسلّحة المتطرّفة ورُعاتها من استمرار فصول خسائرها الميدانيّة في عموم مناطق مدينة وأرياف محافظة حلب، قامت هذه المجموعات المتطرّفة بتجميع صفوفها من جديد، بعد وصول إمداداتٍ واسعة من المقاتلين والسلاح من بعض مناطق إدلب وريف حماة، وقامت بهجوم واسع وكبير وُصِف بالهجوم الانغماسيّ الواسع، وتسعى من خلاله للسيطرة على أجزاء من بعض المناطق في غرب حلب المدينة، بمحاولة لكسر حصار حلب كما تدّعي.
هذه التفاصيل المذكورة أعلاه، هي بمجموعها منقولة عن مصادر مطّلعة على مجريات المعركة. إلى هنا تبقى هذه التفاصيل هي تفاصيل مؤكَّدة ومُثبَتة، ولكن أن تتطوّر الحملة الإعلاميّة للإعلام المتآمر لتقول إنّ أحياء حلب الغربيّة قد أوشكت على السقوط، وأنّ هناك مجموعات مسلّحة متطرّفة قد أصبحت داخل حيّ الحمدانيّة أو العامريّة وسيطرت على أجزاء واسعة منهما، ويعلم جميع المتابعين أنّ ما ذكرته وسائل الإعلام المتآمرة ما هو إلّا أكاذيب ممنهَجة وحرب إعلاميّة شاملة تستهدف ضرب صمود المعادلة الداخليّة السوريّة تزامناً مع ما يحقّقه الجيش العربي السوري من تقدّم هامّ في عموم مناطق محافظة حلب. في المحصلة، سرعان ما أتت حقائق الواقع لتُسقط كلّ أكاذيب وسائل الإعلام المتآمرة، التي تحدّثت بسلسلة أكاذيبها عن تقدّم للمجاميع المسلّحة «المتطرفة» إلى داخل الأحياء المذكورة أعلاه، لتتّضح بعد ساعات جملة التناقضات والأكاذيب التي سُوِّقت بخصوص ما يجري من أحداث في محيط الأحياء الغربيّة للمدينة.
هنا، علينا توضيح هذه الحقيقة لجميع المتابعين لمجريات الحرب على سورية فعلى مدار هذه الحرب المفروضة على الدولة السوريّة منذ أكثر من خمسة أعوام، وعلى جميع الجبهات، كان لحروب الإعلام دور واسع في خلق معارك إعلاميّة «وهميّة بالكثير من الأحيان»، فمعركة حلب العسكريّة الأخيرة هي سلسلة من معارك طويلة، كانت هذه المجاميع المسلّحة المتطرّفة وداعموها من خلف الكواليس وجوقاتها الإعلامية يسعون إلى حسمها بشتّى الوسائل، فهذه المعارك ليست وليدة الساعة، والمؤكّد هنا أنّ الهدف من وراء هذه الحرب الإعلاميّة هو تشتيت جهود الجيش العربي السوري في محاولة لإيقاف تقدّمه على الأرض وتشتيت الخطط اللوجستيّة للمعارك، وبخاصّة بعد التقدّم السريع والملحوظ بمناطق عدّة في الأحياء الشرقيّة لمدينة حلب، وتطويق باقي مجاميع المسلحين المتبقّين في بعض المناطق المحيطة بهذه المواقع. واليوم، بالمحصّلة، هناك أدلّة ومؤشّرات كبرى توحي بأنّ الجيش العربي السوري قد استوعب الضربة الأولى التي حدثت في مناطق تحيط بالأحياء الغربيّة في حلب، وقد استعاد الآن زمام المبادرة من جديد في معظم هذه المناطق.
ومن هذه المؤشّرات الكبرى، أنّ الجيش العربي السوري المتمركز داخل خطوط دفاعه المتقدّمة في محور جنوب غربي المدينة وبعض المناطق المحيطة، قد نجح بضرب الخطوط الأولى بصفوف المهاجمين على هذا المحور وبعض المناطق المحيطة، وقد كبّدهم خسائر واسعة بصفوفهم، يقدّرها بعض المطّلعين بآلاف من القتلى والجرحى، وخسائر كبيرة وواسعة بالمعدّات العسكرية. والحقيقة الثابتة حتى الآن، أنّ كامل أحياء غرب مدينة حلب ما زالت تحت سيطرة الجيش العربي السوري، وأنّ أفراد الجيش العربي السوري المتمركزين في مواقع متقدّمة بهذه الأحياء، كبّدوا المهاجمين خسائر فادحة أجبرتهم على التراجع، وأنّ الجيش الآن قد استعاد زمام المبادرة. وقد قام بالفعل بعمليّاتٍ، وضربَ أهداف متقدّمة للمهاجمين، وحتى الآن ما زالت المعارك مستمرة في محيط حيّ الراموسة ومجمّع الكليّات العسكريّة، مع وجود مؤشّرات كبرى تؤكّد أنّ الجيش العربي السوري قد استعاد زمام المبادرة بمحيط هذه المناطق.
ختاماً، إنّ معارك الإعلام كانت وما زالت تشكّل جزءاً أساسيّاً من استراتيجيّة الحرب على سورية، وكانت لها صولات وجولات في هذه الحرب، وقد أثبتت الأيام وحقيقة الوقائع على الأرض زيف أحاديث الكثير من أخبارها، والأيام المقبلة سوف تعرّي حقيقة وسائل الإعلام هذه أمام الجميع.