القرض الدولي… والحرب الاقتصادية ضدّ مصر

بشير العدل

تشهد بلادي مصر جدلاً واسع النطاق حول قرض صندوق النقد الدولي، الذي بدأت القاهرة مفاوضات الحصول عليه مطلع الأسبوع الماضي، وتباينت الآراء حوله ما بين الأوساط الرسمية والشعبية.

ففي حين دافعت عنه الحكومة ممثلة في وزارة المالية، واعتبرت الحصول عليه في حدّ ذاته شهادة عالمية على «الجودة الاقتصادية»، تؤكد قوة ومتانة الاقتصاد المصري الذي تتوافر لديه قدرات السداد، واعتبرته أيضاً «تمويلاً طبيعياً» بحكم كونها أحد المساهمين في إنشاء الصندوق، أبدت أوساط شعبية مخاوفها من تداعياته السلبية خاصة على محدودي الدخل، في حين اعتبره البعض الآخر وسيلة لـ «التفقير» و«الهيمنة السياسية».

ولمعرفة حقيقة هذا القرض، ومدى فائدته لمصر، وتداعياته الاقتصادية، فإنّ نظرة تحليلية سريعة، من شأنها أن تضع بعض الأمور في نصابها.

بداية القرض تبلغ قيمته 12 مليار دولار تحصل عليها مصر على مدار 3 سنوات، على أن تتحمّل فائدة على أقساط الدين تصل إلى 1.5 بالمئة، ولجأت إليه بلادي مصر لسدّ العجز في الموازنة، ودعم رصيد النقد الأجنبي الذي أخذ في التآكل، خاصة مع عدم قدرة الحكومة على ضبط العلاقة السعرية بين الدولار الأميركي والجنيه المصري، والتي خرجت، بحسب بعض الخبراء، عن سيطرة الحكومة، الأمر الذي دفع بالبنك المركزي لطرح عطاءات لتعويض النقص في الدولار لدى البنوك.

ومن بين ما يقدّمه القرض لمصر هو دعم المشروعات الصناعية التي قالت الحكومة إنها تأتي ضمن خطة التنمية الطويلة الأجل، والتي تعاني نقصاً في التمويل خاصة في ظلّ تراجع أداء البورصة المصرية، وعدم قدرتها على توفير السيولة لتمويل بعض المشروعات الهامة، مما يساهم بشكل أو بآخر في الحدّ من معدلات التضخم وعجز الموازنة العامة للدولة.

يقدّم القرض لمصر أيضاً شهادة دولية على قوة برنامج الحكومة الاقتصادي، نظراً إلى ارتباط الموافقة على القرض بقدرة الحكومة على السداد، وهو الأمر الذي يعتبر شهادة جدارة للاقتصاد المصري، خاصة أنّ البنك الدولي لا يمنح قروضاً لدول قد تتعثر في السداد.

بالإضافة لما سبق فإنّ القرض يعدّ حقاً أصيلاً لمصر، باعتبارها من المؤسسين للصندوق والمشاركين فيه منذ أربعينيات القرن الماضي. ومن ثم فإنّ من حقها الحصول على القرض، وهو ما جعل الدوائر الرسمية في الدولة تتعامل معه على أنه ليس منحة أو تفضلاً من الصندوق بقدر ما هو «تمويل طبيعي» لإحدى الدول المساهمة في إنشاء الصندوق، وعليه فإنّ القرض يأتي في إطار حصة مصر في الصندوق.

غير أنّ وجهات نظر أخرى أبدت مخاوف من الحصول على القرض، واعتبرت أنه يثقل كاهل الدولة في الديون التي تصل في بعض التقديرات إلى 100 مليار دولار مجمّعة، وهو ما أبدى البعض بسببه مخاوف من الخسائر التي تعود على مصر بسببه، خاصة في ظلّ عدم القدرة على السداد والوفاء بخدمة الدين.

والحقيقة أنّ تلك المخاوف لم تكن وليدة الصدفة، وإنما هي نتاج لعمليات بث الأفكار المغلوطة، التي أراد البعض إيصالها للعامة، إما عن قصد الحرب الاقتصادية ضدّ بلادي مصر، وإما عن جهل علمي واقتصادي، ومن تلك الأفكار الحديث عن أنّ صندوق النقد وضع شروطاً، في حين أنّ المباحثات ما زالت جارية، لحصول مصر على القرض، منها فرض إجراءات على الحكومة مثل تعويم الجنيه المصري وغير ذلك من الإجراءات الاقتصادية التي تضرّ بالاقتصاد المصري. وقد وصل الأمر ببعضهم إلى الحديث عن ضرورة اتجاه الحكومة للتوسع في الخصخصة وتسريح العمالة ورفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع الأساسية، وغير ذلك من الإجراءات التي بثت الرعب والخوف في نفوس كلّ من استمع اليها. وهي في حقيقتها أمور لا أساس لها من الصحة، وتدخل في إطار الترهيب والحرب الاقتصادية ضدّ الدولة المصرية.

وتحاول بعض الأطراف الخروج بالحديث عن القرض الدولي من الناحية الاقتصادية، والجنوح به الى النواحي السياسية، والحديث بمفردات التحريض ضدّ الحكومة والقيادة السياسية. وكلها أمور تكشف أنّ بلادي مصر ما زالت تخضع لحرب ضروس، يشنّها أنصار الشيطان وتستهدف تقويض قوة الدولة وتعطيلها عن السير في طريق إعادة البناء.

فبعد أن فشل أنصار الشيطان في حرب الإرهاب، وتعبئة الرأي العام ضدّ القيادة السياسية، لجأوا إلى الحرب الاقتصادية، ونشروا كتائبهم ليس فقط في الداخل المصري، وإنما خارجها في الدول العربية لاحتكار الدولار، وتقوم تلك الكتائب بجمع عملة الدولار من الذين يريدون بيعها لشركات الصرافة، كما يقومون في الدول العربية بالحصول على الدولارات من الذين يريدون تحويلها إلى ذويهم في مصر عن طريق إيصالها بالعملة المصرية إليهم وفي بيوتهم لمنع التحويلات، وحرمان الدولة من النقد الأجنبي.

غير أنّ كلّ تلك الحرب، خاصة أنها مكشوفة ومعلومة أهدافها، لن تنجح كما لم تنجح حروب أخرى ضدّ مصر وشعبها، وأنّ مسعى أنصار الشيطان وجنوده سوف تخيب، لأنّ الله لا يهدي كيد الخائنين.

كاتب وصحافي مصري

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى