غبريال عبد النور لـ«البناء»: الفنّ الملتزم طريقي… والتجاري لا يُغريني
دمشق ـ آمنة ملحم
لأنّ السلام وحده يليق بوجه الشام وبأهل الشام وصيفها الذي عاد ملوّحاً بآمال جديدة وتفاؤل بأن بلدنا مهما جُرّح «منلمّه ولو كنّا قلال»، لأنّ وحدتنا فقط هي التي تحمينا، و«ما بيقدر انفجار يقتل روح الحبّ فينا»، ومهما مرّ الزمن سيبقى كلّ سوريّ يكتب اسم بلاده «عالشمس اللي ما بتغيب»، مُصرّاً على أن كلّ من يبتعد عن الشام لا بد أن يُتعبه الرحيل، مختصراً كلّ مفردات الفنّ التي تتغزّل بدمشق بوابة التاريخ، بإهداء خصّه للشام بألحان خطّها فكره الفنّي وصنعتها أنامله المتشرّبة للفنّ الملتزم الأصيل، فكانت «لكأني الشام» التي لم تتوقف عند حدود الأغنية، بل أراد مؤدّيها الفنان الأوبرالي اللبناني غبريال عبد النور أن تكون عنواناً لأمسية غنائية أحياها في دار الأوبرا في دمشق الأحد الماضي، ضمن فعاليات معرض الفنّ التشكيلي «شموع السلام»، فأضاء بصوته الذي رسم ملامح المحبّة والسلام ممتزجاً بآلام وآمال الأوطان، تلك الشموع، ملهباً المسرح بفنّ استحقّ وبجدارة كلّ الاحترام.
الفنان عبد النور وفي حديث إلى «البناء»، لفت إلى أن الأمسية كانت صرخة في وجه الهجمة التكفيرية التي لحقت بسورية، وفي وجه الألم والظلم. وهي رسالة حبّ وسلام من صرح ثقافي عظيم تحمل في طيّاتها معانٍ تؤكّد أن سورية ستبقى بهيّة وأبية ومثالاً للعيش المشترك. وأنّ أبناءها يجمعهم أكثر بكثير مما يفرّقهم، كما يجمعهم مع اللبنانين أخوتهم على مرّ الزمان.
برنامج الحفل جاء منوّعاً متضمّناً أعمالاً لجبران خليل جبران، وأعمالاً فولكلورية، وأخرى لزكي ناصيف وفيروز وإيلي شويري، فغنّى عبد النور «يا شام عاد الصيف»، «مهما يتجرّح بلدنا»، «يا لائمي»، «عالروزانا»، «يا شام أتعبني الرحيل»… مزيّناً الحفل بأغنية «لكأني الشام» من تأليف سهام الشعشاع وألحان عبد النور، كما غنّى لحلب التي يعشقها على الدوام «مدينة تاريخية» تأليف ندى عبد النور وألحانه، خاتماً الحفل بالنشيدين العربي السوري واللبناني، حيث غنّاهما بطريقته الخاصة دامجاً بينهما ومتخلّياً عن الموسيقى.
وأشار عبد النور إلى أنه هو من اختار هذا الأسلوب للختام، ليكون خاصاً بطبقته الصوتية، ولأنه يحمل بلده لبنان أينما حلّ، فمنه تعلّم الحبّ وفيه كلّ نجاحاته.
وأوضح عبد النور أن الأمسية وأغنياتها فيها وطن وشموخ وعزّ، وفيها صرخة، لهذا أنهى كلّ أغنية بمدى صوتيّ كبير يلائم حالة الحفل. ونوّه بأن هذا الحفل الأوّل له في دار الأوبرا في دمشق، لكن تواجده في سورية لم ينقطع يوماً، فكانت له أمسيات خمس في حلب آخرها أمسية سلام في كنيسة اللاتين عام 2011، ثم كانت له حفلتان في طوطوس، وواحدة في مشتى الحلو، ومعرّة صيدنايا. كما تواجد في دمشق السنة المنصرمة بأمسية غنائية ضمن فعالية «الطغولة شمس لا تغيب» في «آرت هاوس»، وعاد ريعها إلى الشهداء أطفال مدرسة عكرمة. متوّجاً تلك الحفلات بحفلة الأوبرا هذه السنة، مشيراً إلى أنه مسرح رائع له رهبته، لا سيما أنها المرّة الأولى التي يغنّي في هذا الصرح، ويختلف الجمهور الدمشقي عن الحلبي، فأهل حلب لديهم انتماء خاص وقويّ لحلب، ولديهم فخر وحبّ عميق لمدينتهم، «احتضنوني واحتضنوا أغنياتي، وقدّمت معهم خمس أمسيات، لن أنساهم في حياتي، هم يسمعون بفرح وصدق ومحبّة».
وعن أسلوبه الغنائيّ قال: تخصّصت في الغناء الأوبرالي والغناء الشرقي، ودمجت بينهما حيث حاولت الاستفادة من التقنية العالمية وتوظيفها في الأغنية الشرقية، من دون أن يُخدَش الحرف العربي. فاستفدت من الطاقات العالمية بمدى الصوت الكبير غير الموجود في الأغنية العربية.
وحول إصراره على طريق الفنّ الملتزم يؤكد أنه لا يحبّ الطريق الآخر كونه ـ عبد النور ـ ملتزماً بالإطار الثقافي الرسمي، ويفضّل أن يرتبط اسمه بالفعاليات الرسمية وأهمها ماراثون لبنان، وعيد الاستقلال، واختياره ليوم الأمم المتحدة. فهذا الخطّ يغريه ويغري علمه وثقافته وفكره وانتماءه، ويريح ضميره تجاه بلده وتجاه أسرته التي ربّته، فالغناء التجاري لا يعنيه، والشهرة الكبيرة المزيّفة لا تعنيه أيضاً. هو مكتف بما يقدّمه.
وبالعودة إلى الحفل، رافقت عبد النور آلات البيانو والناي والبزق والقانون، ويرى فيها آلات قريبة من الإنسان ومن هويته الغنائية بنغماتها الشرقية. لافتاً إلى عشقه لآلة البيانو التي لها دور أساس على الدوام في ألحانه، ويحبّ دائماً أن تكون الأرضية للقطعة الموسيقية وعليها تبنى الصولات. وشارك عبد النور في الأمسية ضمن الفرقة الموسيقية: حميد حماتي بيانو ـ قانون ، مصطفى نمير كلارينيت ، رامي حاج حسن بزق ـ طنبور ، جورج ضاوي ناي ، علي أحمد إيقاعات ، جوزف شبير إيقاعات .
وللفنان عبد النور أربعة ألبومات خاصة، لكلّ منها طابع خاص وجوّ معيّن، فالأول لجبران خليل جبران، والأغاني في الثاني أتت باللهجة اللبنانية، والثالث تضمّن أغنيات عالمية بلهجة لبنانية، والرابع تضمّن أغنيات ميلادية. ويستعدّ حالياً للألبوم الخامس الذي يحمل طابع الغناء الصوفي.