دماء جزائرية على عطش الذاكرة
بلال شرارة
في الأول من تشرين الثاني نوفمبر 1954 انطلق الكفاح المسلح ضدّ المستعمر الفرنسي في الجزائر. وكان قد تمّ وضع اللمسات الأخيرة للتحضير لاندلاع الثورة في اجتماعات عُقدت ما بين 10 – 24 تشرين الأول أكتوبر اتفق خلالها على إنشاء جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري المتمثل بجيش التحرير الوطني.
الثورة بدأت بشنّ 200 مسلح لهجمات استهدفت مراكز الدرك والثكنات العسكرية ومخازن الأسلحة ومواقع استراتيجية.
وقد شملت العمليات الجهادية مناطق جزائرية عدة، بينما كانت مناطق: سيدي علي، زهانة ووهران على موعد مع اندلاع الثورة في المنطقة الخامسة.
إنّ الاحتلال وإرهابه كانا سبب الثورة. وكانت ذروة جرائم الاحتلال حفلة ! إعدام جماعية ارتكبها جنود الاحتلال ضدّ تظاهرات 8 أيار مايو 1954 والتي سقط خلالها 45000 شهيد مدني خلال 8 ساعات حيث كان الجزائريون قد انطلقوا في تظاهرات للتعبير عن فرحهم بنهاية الحرب العالمية الثانية ومطالبين فرنسا بإنجاز وعد الاستقلال . وقد سبقت ذلك ممارسات احتلالية منها:
ـ محاولة مسح الهوية الجزائرية.
ـ تجهيل الشعب وإفقاره.
ـ ارتكاب مجازر دامية وعمليات إبادة من أبرزها: إبادة قبيلة العوفية بوادي الحراش ومصادرة ممتلكاتها عام 1832، إبادة سكان واحة الزعانطة 1849، وإبادة قبيلة بني صبيح وقبيلة أولاد رباح بجبال الظهرة.
ـ سرقة ونهب ثروات الجزائر.
ـ نشر الأوبئة والأمراض قضت على مئات الآلاف ، والمجاعات، وبما أننا على مقربة من الذكرى 62 لاحتفال الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد بذكرى انطلاقة الثورة الجزائرية بمواجهة الاحتلال والعنصرية الفرنسية، لا بدّ من أن نفتح باب المعرفة أمام أجيالنا عن هذه الثورة وتضحياتها.
نبدأ من الوقائع الراهنة، إذ انّ الجزائر تقع ومنذ سنوات عدة تحت ضغط الإرهاب المتزايد، وهي من أول الكيانات التي تحوّلت هدفاً للإسلام السياسي الذي كان يحاول ترسيخ حضوره في المغرب العربي، انطلاقاً من الجزائر قبل الأحداث العاصفة الجارية في ليبيا وما شهدته تونس ومحاولة الاستثمار على حال التململ في المغرب وعلى تهديد الجوار المصري من ليبيا، إضافة الى الوقائع الانقسامية السودانية فقد سعى الإسلام السياسي بكلّ الوسائل، خصوصاً العنيفة إلى زعزعة استقرار هذا البلد بشتى الوسائل، هنا تجدر الإشارة إلى أنه وخلال الأشهر الستة المنصرمة قتل الجيش الجزائري 99 إرهابياً واعتقل 50 واسترجع خلال الفترة نفسها كمية من الأسلحة والذخيرة، بينها 88 بندقية حربية و45 قذيفة صاروخية و47 قنبلة تقليدية الصنع و17 صاعقاً وثلاثة أجهزة متفجرة و25 كيلوغراماً من المواد المتفجرة. وكان الجيش الجزائري قد تمكن خلال العام 2015 من قتل واعتقال 157 إرهابياً بينهم عشرة قياديين.
بالعودة إلى الثورة الجزائرية ومصادرها لا بدّ من الإشارة الى أنّ الجزائر شهدت على التوالي ثورات عدة من أبرزها: مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري بين الأعوام 1822 – 1847! ثورة محمد بن عبدالله الملقب بومعزه بين الأعوام 1845 – 1847 ثورة أولاد سيدي الشيخ من العام 1864 1880، في بداية القرن العشرين بلغت السيطرة الاستعمارية ذروتها في الجزائر رغم تصاعد المقاومة الشعبية وبدأت الثورة بالانتقال من الريف الى المدينة واتخاذ أسلوب العمل السياسي، وظهرت حركات سياسية عدة حركة الأمير خالد، حزب نجم شمال أفريقيا، حزب الشعب الجزائري، جمعية العلماء المسلمين .
وانطلق عمل متوازٍ في سبيل الوصول الى استقلال الجزائر، وقد أعلن الاستقلال ولكن بعد تضحيات جسام، حيث شهدت الجزائر مجازر وعمليات إبادة لقبائل وسكان وبروز عدد من السفاحين الاستعماريين الذين نفذوا عمليات القتل الجماعي والحرق والنهب، وقد عمل الاستعمار الفرنسي 132 عاماً على إعاقة ايّ تقدّم في الجزائر ومحاولة تصفية الأسس المادية والمعنوية لقيام الجزائر وضرب وحدته الوطنية والقبلية والأسرية ومعتقداته. وقد سجل تاريخ الجزائر خلال الأعوام المشار إليها تاريخاً من النضال الوطني سقط خلاله مليون ونصف مليون شهيد، وفي العام 1962 شهد بلد الشهداء الاستفتاء على استقلاله بنسبة 99 في المئة، واعتبر يوم 5 تموز عيداً للاستقلال.
تستحق الجزائر أن نتعرّف إلى تاريخها لأخذ الدروس والعبر، ولتأكيد أنّ تصميم شعب على تحقيق أمانيه الوطنية لن يقف بطريقه أيّ مستعمر مهما بلغت قوته وجبروته. وهو الأمر الذي يوحي بتحقيق الشعب الفلسطيني أهدافه في التحرير والعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.