هكذا روّضت روسيا خصومها واللاعبين الإقليميين

روزانا رمَّال

إعادة تطبيع العلاقات بين روسيا وتركيا بشكل سريع وبنيات «متوقعة» قبل زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى روسيا، تشير الى رغبة الطرفين بالإقرار باستحالة تجاهل الجغرافيا السياسية التي تحيط بهما أو التي يقعان في صلبها ليلاحظ بهذا الإطار أنّ العداوة «المستجدة» بين روسيا وتركيا لم تدم لأكثر من أشهر من تشرين الثاني العام الماضي حتى تاريخه. وهي فترة لم تصل الى سنة وتتعدّى تسمية ما جرى «خلافاً» بدلاً من العداوة التي برزت.

أدركت تركيا استحالة الاستمرار بتضارب المصالح العسكرية والسياسية معاً بالمصلحة الاقتصادية التركية أولاً وبالقطيعة مع روسيا ثانياً. فالتدهور الاقتصادي التركي بين سياحة وخدمات بشكل خاص له أسباب رئيسية تتعلق أولاً بالأزمة السورية ككلّ أضيفت إليه القطيعة مع روسيا التي أضرّت بالقطاع السياحي، تُضاف اليه حاجة تركيا إلى الغاز الروسي، وقد بوشر العمل على إنجاز ما يتعلق فيه منذ ما قبل زيارة الرئيس التركي، وكان ذلك بزيارة سبقه اليها رئيس وزرائه برفقة رجال أعمال أتراك نسّقوا لزيارة أردوغان وأنجزوا أبرز ما هو مفترض لإنجاحها، لكن المعلومات تشير الى انّ الاتفاق الاقتصادي لم يكن وحده ما كان قد ذلّل وسبق القمة في «سانت بطرسبورغ»، بل انّ الخطوط العريضة لمشهد الاتفاق على آلية التعاطي مع الأزمة السورية ضمن رؤية ومنهجية انطلاق نحو الحلّ كانت قد وصلت على شكل رسائل ونيات الى الرئيس الروسي ضمن قنوات ديبلوماسية أنجزت هذا اللقاء وبدّدت أمامه العقبات المفترضة، بالتالي فإنّ خطوة الرئيس التركي أتت ضمن إعادة تعديل تركي للموقف قدمت على أساسه التطبيع مع «إسرائيل» كمقدمة لمرور التطبيع مع روسيا بشكل سلس ومقبول ضمن مساعي أنقرة إصلاح العلاقات بينها وبين دول الجوار التي تضرّرت خصوصاً بسبب الأزمة السورية. وهنا «إسرائيل» ليست من بين تلك الدول، لكنها هنا تدخل ضمن خط وسيط يدرك جيداً الحاجة لدخوله طاولة المفاوضات قبل الاتفاق على شكل نهائي للحلول.

زيارتان متتاليتان لنتنياهو بحث خلالهما بشكل أساسي مسألة الجولان التي كان قد أقام فيها اجتماعاً وزارياً مصغراً مستفزاً اعلن فيه عن تمسكه بتأمين مصيرها، خصوصاً بعدما بات حزب الله في الأزمة السورية يحيط بالأراضي المحتلة من جهتين واضحتين وهما جنوب لبنان والجولان السوري. وهنا تقصّدت «إسرائيل» استهداف قافلة حزب الله التي اغتيل فيها جهاد مغنية ورفاقه في الجولان، وبينهم جنرال إيراني، في وقت لم تتحرك روسيا في أيّ تعليق عن العملية، لكنها تلقت الرسالة الإسرائيلية التي أرادت أن تظهر للعالم أنّ حزب الله وإيران على حدودها، بالتالي فإنّ فتح ملف الجولان لن يكون دون فتح ملف الأكراد من الجهة السورية الأخرى وبمسألتين حدوديتين من هذا النوع تدرك كلّ من أنقرة وتل أبيب استحالة حسم مصيرهما من دون تواصل مباشر مع روسيا ومفاوضات جدية بشأنهما، وهو ما يعني حسب مصدر مقرّب من القيادة السورية لـ «البناء» حول الجهة الكردية التزاماً روسياً بمنع نشوء كيان كردي على الحدود التركية السورية، والتزاماً تركياً بالعمل لحلّ سياسي يعيد تسلّم دولة سورية واحدة كامل الجغرافيا السورية، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بشرطين، الأول أن لا تكون مناطق سورية بيد تنظيمات كداعش والنصرة لا مكان لها في أيّ حلّ سياسي، وأن تكون المناطق التي تضمّ ثلاثة أرباع سكان سورية ومدنها الرئيسية وأجهزة الدولة ومؤسساتها ويقودها الرئيس السوري، كما يعرف الأتراك جيداً، الشريك المحوري في هذا الحلّ السياسي، الذي يجب البحث عن شركائه الآخرين… مقايضة يتبادل فيها الروس والأتراك الضمانات، ففيما تضمن تركيا لروسيا عدم العبث بأمنها المهدّد من تشكيلات القاعدة التي اتخذتها أنقرة سبيلاً لتحقيق نفوذها في سورية تضمن روسيا لتركيا التي فشل مشروعها بإسقاط سورية رغم الاستعانة المفرطة بتنظيم القاعدة ومتفرّعاته، ألا يقوم كيان كردي يهدّد وحدتها على حدودها مع سورية…

يتابع المصدر «هذه مقايضة لا تتحقق إلا باللقاء تحت شعار جاذب اسمه التمسك بوحدة سورية، وهو ما أعلنت عنه نتائج القمة الثنائية، وهو هدف يتفوّق على أيّ سعي لمكاسب ذاتية أو إقليمية، فيصير معناه التعاون على ترتيب من قلب الدولة السورية برئيسها وجيشها لتوحيد الجغرافيا السورية كلها واستيعاب من يمكن استيعابه من المعارضين ضمن تسوية تبدو الدولة السورية منفتحة عليها».

سارعت روسيا إلى تلقف النيات التركية التي تبدو جدية بشكل أخذ حيّز الترجمة منذ اليوم الأول لما بعد الزيارة، فقد أعلنت سلطاتها نيتها عن بدء حملة عسكرية بطائرات حربية تركية ضدّ داعش ابتداء من يوم أمس، حسب البيان. وهو اليوم الاول لما بعد الزيارة حيث من المفترض ان تصبح كلّ التصريحات أكثر مقبولية بالنسبة لجمهور الرئيس التركي الذي أجاد إعلام مؤيديه في التظاهرة التي دعا اليها في اسطنبول عن نيته «وصديقه» بوتين بحث حلول بشأن الأزمة السورية.

هكذا روّضت روسيا حلفاء واشنطن بالارتكاز الى الحاجة الى الشراكة معها ضمن قوة مستجدة بالشرق الأوسط، فبات تجاهلها نقطة خاسرة في سجل أيّ دولة إقليمية اختبرت تركيا ثمنها جيداً واعترفت «إسرائيل» بهذا بتكثيف التواصل مع روسيا والزيارات من رئيسها رؤوفين ريفلين لزيارتَيْ نتنياهو من أجل الدخول بمشهد التسويات، فمتى تدخل السعودية اذن التي بقيت خارج إطار التقارب مع روسيا ضمن منطق الترويض والتسويات؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى