ذرائع الغرب لإشاعة الفوضى
حميدي العبدالله
دأب الغرب، عبر تصريحات المسؤولين فيه وإعلامه على الترويج لمقولة مفادها إنّ تسلطية وديكتاتورية بعض الحكام العرب هي المسؤولة عن حالة السخط الشعبي التي توفر بيئة في بعض البلدان العربية لنمو الحركات «الجهادية» وتحوّلها إلى جماعات إرهابية. لو كان الغرب جاداً في توصيفه لما اقتصر الاتهام على الدول التي عرف عن حكوماتها رفضها الخضوع للإملاءات الغربية، فهذا التوصيف ينطبق على دول مثل السعودية التي تصادر فيها جميع الحقوق على نحو أشدّ وأقوى مما هو موجود في أيّ دولة عربية أو إسلامية توجه إلى حكامها تهمة الديكتاتورية والتسلط.
مع ذلك فإنّ هذه المقولة خاطئة بالمطلق وهذا ما تؤكده تجارب الغرب ذاته.
مثلاً في العراق وعشية التحضير لاحتلال هذه البلاد ركز الغرب، حكومات وإعلام، على القول إنّ النظام العراقي بزعامة الرئيس صدام حسين إرهابي، فضلاً عن أنه نظام ديكتاتوري، ويمتلك أسلحة دمار شامل تبيّن لاحقاً أن لا وجود لمثل هذه الأسلحة، وأنها أكذوبة ساهمت في صنعها مؤامرة استخبارية، ويتعامل مع الإرهاب وحصراً تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن… واستناداً إلى هذه الحجج قام الغرب بغزو العراق وأسقط نظام الرئيس العراقي صدام حسين.
لكن الحقيقة التي لا يمكن دحضها، أنه في العراق لم يكن هناك وجود لأيّ تشكيل إرهابي أيّ إلى جهة انتمى هذا التشكيل، وبعد احتلال الغرب للعراق بقيادة أميركية، نما وترعرع الإرهاب ووصل إلى ما وصل إليه ليتأكد أنّ إسقاط النظام العراقي ساهم بنشر الإرهاب وليس العمل على محاصرته.
مثلاً في ليبيا وعشية تدخل الناتو في الحرب والإسهام في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي ساهم الغرب، حكومات وإعلام، بنشر المقولة ذاتها، أيّ إذا لم يسارع الغرب لتقديم الدعم «للثوار» لإسقاط النظام، فإنّ الإرهاب سوف يشتدّ عوده، ويشكل نظام القذافي سبباً لتصاعده، ولكن ماذا بعد سقوط نظام القذافي، هل تراجع خطر الإرهاب، أم زاد هذا الخطر؟ الجواب واضح باتت ليبيا اليوم معقلاً لتنظيم داعش والتشكيلات «الجهادية» الأخرى، وسادت الفوضى الدموية في هذا البلد الذي كان مستقراً لمدة تزيد عن أربعين عاماً.
يجري اليوم تكرار المقولة ذاتها عن سورية، في محاولة لتبرير دعم التشكيلات المسلحة بما في ذلك التشكيلات الإرهابية.
الواقع أنّ سياسة الغرب على هذا الصعيد سياسة ساذجة، أو يحرّكها الحقد والتطلع الاستعماري، على الرغم من أنها لا تصبّ في مصلحة الغرب ذاته.