القدس… حربٌ في كلّ الإتجاهات

راسم عبيدات

الإحتلال يشنّ حرباً شاملة على المدينة المقدسة بشكل غير مسبوق، وهذه الحرب تطال في إستهدافها المقدسيين، في كل مناحي ومستويات وجودهم وشؤون حياتهم. وواضح بان الإحتلال أصبح يخوض مع المقدسيين معركة كسر عظم، معركة يريد منها تحطيم إرادة المقدسيين وقدرتهم على الصمود والتحدي والبقاء، وشعار الحرب التي تشن على المقدسيين، من لا يخضع منكم بالقوة، يخضع بالمزيد منها، وان على المقدسيين ان يدركوا بأن لا وجود لهم في هذه المدينة ولا سيادة ولا حقوق. وفي هذا الإطار والسياق، نجد أن الإستيطان «يتوحش» و«يتغوّل» في كل المدينة وقراها وأزقتها وحواريها، وهو لا يشمل فقط إحاطة القدس بأحزمة إستيطانية تعزل القدس عن محيطها وواقعها الفلسطيني الجغرافي والديمغرافي فقط، بل المخططات تشمل إقامة الأبنية والأحياء الإستيطانية في قلب الأحياء العربية، ومصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة لصالح الإستيطان والمستوطنين، و«تسمين» المستوطنات على حساب الوجود العربي الفلسطيني، فالحديث عن إقامة 2500 وحدة إستيطانية تمتد من منطقة مستوطنة «جيلو» حتى شارع الأنفاق، على أراضي بيت جالا وبيت لحم ومن قبل مستثمرين وقطاع خاص صهيوني، لا يمكن ان يتمّ بمعزل عن مشاركة وتواطؤ بلدية الإحتلال مع هؤلاء المستثمرين، حيث ان 30 في المئة من الأراضي التي ستقام عليها الوحدات الإستيطانية، هي املاك فلسطينية خاصة. وكذلك الحال في بلدة كجبل المكبر تعاني من نقص شديد في الغرف الصفية والمدارس، وتفتقر الى البنية التحتية والخدمات، شوارع وملاعب وحدائق ومتنزهات للأطفال وشبكات مجاري، تجري مصادرة قطعة أرض تعتبر املاكا خاصة فلسطينية بمساحة دونم ومائتي متر، لصالح مستوطنة «نوف زهاف» المقامة في قلب بلدة جبل المكبر، من اجل إقامة كنيس ومغطس لسكان تلك المستوطنة. وما يجري في بلدة بيت حنينا في شمال القدس، ليس بالبعيد عما يحدث في المكبر، حيث تجري مصادرة أراض فلسطينية لتوسيع مستوطنة «بسجات زئيف» بإقامة بنايتين استيطانيتين تضمان 62 شقة سكنية، ومجمع دوائر حكومية وحدائق عامة.

والحرب والصراع على الأرض هو الحلقة المركزية في المجابهة والمواجهة بين المحتل وبين المقدسيين، والإحتلال حتى يدعم هذه الحلقة، ويضمن عدم مقاومة المقدسيين لتلك المشاريع وامن المستوطنين، الذي أصبح مهتزاً، والذي جعل المستوطنين يدخلون في حالة من الخوف والهستيريا، وتصوّر المستوطن بانّ ظله يحمل سكيناً ويريد ذبحه، بفعل إنتفاضة القدس. يسعى الإحتلال لتعزيز وجوده الأمني والشرطي في مدينة القدس، من خلال نصب المزيد من «الكاميرات» المنتشرة في كل ازقة وحواري القدس وشوارعها، حيث هناك 400 «كاميرا» سيضاف لها 193 «كاميرا» جديدة للمراقبة مرتبطة بمراكز شرطة الإحتلال واجهزته الأمنية، وأيضا يضاف لها 60 «كاميرا» تقوم بتسجيل أرقام السيارات.

كل هذه الإجراءات ليست كافية لضمان أمن المستوطنين ووجودهم في المدينة، والسيطرة على المقدسيين، وملاحقة المقاومين ومن يقومون بعمليات ضد جنود الإحتلال وشرطته ومستوطنيه، حيث اصدر مدير شرطة الإحتلال الميجر يورام هليفي قراراً بإقامة خمسة مراكز شرطة جديدة في القرى العربية، التي تعتبر بؤرا للإنتفاضة والمقاومة، وهي جبل المكبر والعيسوية وصورباهر ورأس العامود وسلوان. كما قال وزير الأمن الداخلي لدولة الإحتلال «جلعاد أردان» بأنه سيعزز الوجود الأمني في المدينة بحوالي ألفي عنصر شرطة جديد.

على صعيد آخر، نشهد هجمة غير مسبوقة على المسجد الأقصى الهدف منها إنهاء دور الأوقاف الإسلامية بالإشراف والسيادة على المسجد ، وهذا لا يقتصر فقط على زيادة أعداد المقتحميين وتصاعد وتيرتها، بل نلحظ التدخل السافر في شؤون الأوقاف من حيث تصاعد الإعتداءات على حراس وموظفي المسجد، واعتقال وإبعاد العديد منهم عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة، ومنع لجنة الإعمار من القيام بأية عملية إعمار او ترميم في المسجد الأقصى من دون إذن مسبق من بلدية الإحتلال. وقد شهد الشهر الماضي اكثر من 1120 عملية إقتحام للأقصى، وأكثر من 52 امر إبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة. وكذلك ما يجري من خطوات مريبة من دخول وتصوير لعلماء أثار اسرائيليين للمسجد الأقصى وقبة الصخرة، والحفريات المستمرة أسفل وحول المسجد، والتي تهدد أساساته بإنهيارات محتملة، ناهيك عن المجزرة المرتكبة بحق الحجر الفلسطيني بهدم 25 بيتا ومنشأة سكنية في الشهر الماضي، وعدد آخر مع بداية هذا الشهر، حيث ارتفعت وتيرة هدم المنازل والمنشئات السكنية في النصف الأول من هذا العام، مقارنة بالعام الماضي بنسبة اربعين في المئة.

والإحتلال لا يصعد ولا يشن حربه على المقدسيين على صعيد تهويد المدينة فقط، بل ما يهمه بالأساس، «أسرلة» الوعي، فالأسرلة للوعي تتيح له السيطرة على الذاكرة الجمعية لشعبنا، من خلال «كي» و«تقزيم» وتشويه هذا الوعي والسطو على التاريخ و«تقزيم» الجغرافيا، وفرض الرواية الصهيونية على المسار التاريخي وليس التعليمي فقط، حيث وجدنا وزير التعليم الصهيوني المتطرف «بينت» يصعد حربه على المنهاج الفلسطيني في المدينة، بإشتراط ترميم المدارس العربية في القدس، لمن تلتزم بالتعليم وفق المنهاج الإسرائيلي، وسبق ذلك قراره بزياد التمويل للمدارس التي تدرّس المنهاج الإسرائيلي، ايّ مقايضة المال بالمنهاج الإسرائيلي، وكذلك دعا لجعل العام الدراسي المقبل، عام «توحيد القدس».

هي حرب شاملة يشنّها الإحتلال على المقدسيين في كل الإتجاهات، حرب يراد منها تحطيم الإرادة المقدسية وكسر صمودها، حرب ليس امام المقدسيين في التصدي لها ومقاومتها ومجابهتها سوى المزيد من الوحدة والتكاتف والتلاحم، والمزيد من الصمود بقدراتهم وإمكانياتهم الذاتية وتفعيل عامل الإرادة الشعبية، وخيار المجابهة الشعبية الجماهيرية، والإستمرار في فضح وتعرية المخططات الصهيونية بحق المدينة، والضغط المتواصل على المؤسسات الحقوقية والإنسانية والدولية ، من اجل القيام بواجبها تجاه حماية السكان المقدسيين وحقوقهم ووجودهم ضد هذا «التغول» و»التوحش» الصهيوني عليهم.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى