لقاء بوتين ـ أردوغان.. لا تحوّل استراتيجي
راسم عبيدات
لقاء بوتين أردوغان في بطرسبورغ، لم يحمل أي تحوّلات ذات مغزى، او استدارة استراتيجية تركية تجاه موقفها من الأزمة السورية. فتركيا منغمسة في العدوان على سورية من رأسها حتى أخمص قدميها. ومن كان يعتقد بأنّ تركيا ستذهب إلى حدّ الشراكة مع روسيا في حربها على الإرهاب والجماعات الإرهابية، فهو يعيش حالة مرضية أو هو مغرق في أحلامه وأوهامه. فتركيا رغم الإنقلاب الفاشل وما نتج عنه من تداعيات بإعلان أردوغان حالة الطوارئ في البلاد، خوف تعرضها لإنقلاب جديد، وقيامه بحملة تطهير واسعة شملت هيكلة اهم القطاعات في الدولة: القضاء والتعليم والاعلام والجيش، من اجل إحكام سيطرته على البلاد، فهو يرى بانّ حالة عدم الإستقرار السياسية والأمنية وخذلان الدول الغربية لتركيا، ورفض عضويتها في الاتحاد الأوروبي، وتعاطي أميركا وتأييدها للإنقلاب، وإحتضانها لمعلم أردوغان السابق فتح الله غولن، المتهم بقيادة الإنقلاب وكذلك الإنعكاسات الكبرى لهذا الإنقلاب على الاقتصاد التركي، كلها من العوامل الهامة في القرار التركي بلقاء بوتين في بطرسبورغ، يضاف اليها التخوف من قيام كيان كردي بدعم أميركي على طول الحدود السورية العراقية، وامتداد هذا الكيان الى عمق الاراضي التركية، وما له من إنعكاسات سلبية على وحدة الأراضي التركية واستقرارها.
حتى لا نتطير في التحليل، تركيا عضو في حلف «الناتو»، والأولوية في التحالف والقرار والموقف للحلف، وهذا ما قاله وشدد عليه جاويش اوغلو وزير الخارجية التركي، لكنه أضاف بأنه لا مانع من التعاون خارج اطار الحلف في القضايا الدفاعية. ولذلك، لا يمكننا أن نحمّل اللقاء في بطرسبورغ الكثير من النتائج ذات البعد الإستراتيجي، في ما يتصل بالموقف التركي من الأزمة السورية.
فرغم الحديث عن الحل السياسي للأزمة السورية، والتنسيق العسكري والأمني، وإقامة غرف العمليات المشتركة، والمشاركة التركية في الغارات على «داعش» في الرقة السورية، الا ان هذا لا يمكن البناء عليه، فالورقة التي تقاتل بها تركيا في سورية، هي ورقة «جبهة النصرة» و«حركة الإخوان المسلمين»، تلك الحركة التي تشكل العلاقة معها خطاً احمر لا يمكن لأردغان تجاوزه، فهو يراهن على ان تكون جزءً، أو ربما هي من تتولى مقاليد الحكم في سورية، بعد رحيل النظام السوري الحالي، وفق تمنياته ورغباته.
وهناك خلاف جوهري بين الرؤيتين الروسية والتركية لأسس وقواعد الحلّ السياسي في سورية، فتركيا تقول بأنه لا يمكن التقدّم في الحلّ السياسي، مع بقاء الرئيس الأسد وروسيا تعتبر ذلك شأناً داخلياً سورياً، وترفض الخوض والحديث فيه، وأن الأولوية يجب ان تكون للحرب على الإرهاب. من هنا نجد تماثلاً ما بين السعودية وتركيا في النظرة للحلّ السياسي، من خلال إستمرار ترديد الإسطوانة المشروخة «رحيل الأسد». وكذلك، فإنه لا يمكن لتركيا ان تخسر مشروعها الإستثماري الذي صرفت عليه ملايين الدولارات، وهي الطامعة بالجغرافيا السورية، والراغبة بتشكيل نظام حكم سوري يكون دمية لها.
ورغم الإتفاق الروسي التركي على وحدة الأراضي السورية، فهذا الموقف التركي لم يأت من رغبة في الحفاظ على وحدة سورية، فهي بعد ان ادركت بأنّ مشروعها القائم على اقتطاع جزءٍ من الجغرافيا السورية قد فشل وهزم، وبأن أميركا تخدعها فيما يخص العلاقة مع الأكراد، وبأنها تدعم قيام كيانٍ كرديٍ مستقلٍ، شعرت بأنّ ذلك يشكل خطراً جدياً على امنها وإستقرارها ووحدة أراضيها، ولذلك ترى بأن التحالف مع روسيا، هنا، مفيد لها، ويتفق مع رؤيتها وموقفها، لكن المهم ألا يكون الحل السياسي ووحدة الأراضي السورية قائماً على أساس استمرار الأسد في الحكم.
كذلك، فإنّ الإقتصاد التركي وما أصابه من تراجعٍ في ظل الإنقلاب وتداعياته، والعقوبات التي فرضتها موسكو على تركيا عقب إسقاط المقاتلات التركية لطائرة «السوخوي» الروسية، في خريف العام الماضي، تجعل تركيا في حاجة كبيرة لروسيا من اجل تعافي اقتصادها، إذ أن القطاعات الزراعية والسياحية والمصرفية وحتى الخدماتية، تأثرت بشكل كبير بسبب العقوبات الروسية، وترطيب العلاقات وإعادتها مع موسكو مهم لهذه القطاعات.
ما أراده بوتين من هذا اللقاء، هو دفع تركيا لوراثة الدور الأميركي في تحييد الجماعات الإرهابية، وفك الشراكة ما بين المتطرف منها النصرة وما يسمّى بالمعارضة المعتدلة، لان أميركا تتراجع دوماً عن التفاهمات في هذا الشأن، تحت ضغط لوبي التطرف في القيادة الأميركية، وضغوط الحلفاء العرب والدوليين السعودية وفرنسا وبريطانيا ، وهو بذلك يريد أن يبعث برسالة للأميركان بأنه قادر على إحداث خرقٍ في حلف «الناتو»، وإقامة علاقة مع عضو متميّز فيه، والرسالة هنا مزدوجة: تركيا ترسل رسالة غضب واحتجاج على الموقف الأميركي من الإنقلاب، وموقف الإتحاد الأوروبي برفض عضوية تركيا في الإتحاد.
كذلك يطمح بوتين لتطوير الموقف والتعاون التركي بشأن إستثمار علاقتها بالجماعات الإرهابية، من أجل خفض مستوى أعمالها الإرهابية، أو دفعها للموافقة على المشروع الروسي للحل السياسي للأزمة السورية.
لكن تبقى التحالفات الروسية التركية في الإطار التكتيكي، وبما يتصل بالعلاقة في القضايا الإقتصادية والتجارية والتنسيق الأمني، فهناك خلافات ذات بعد جوهري في القضايا الإستراتيجية، خلافات في الأهداف والمنطلقات، تصل حدّ التعارض الكلي، لأن روسيا تعتبر الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، منطقة نفوذ وحليف استراتيجي لها ولمصالحها في المنطقة، في حين أن تركيا تريد رحيل النظام لخدمة أجنداتها ومصالحها في المنطقة، وبالذات «الإخوان المسلمين»، وليبقى اللقاء في إطار تفعيل التعاون الإقتصادي وإلى حدّ ما الأمني، وإيصال رسائل التهديد والإستغناء والتعاون، من أجل عدم حدوث المواجهة أو الصدام، وإن إستدارت او إرتدّت تركيا في مواقفها ورؤيتها بعض الشيء تجاه الموقف من سورية، فهي لا تعدو كونها مؤقتة، بحكم الأوضاع الداخلية التي تمر بها تركيا من عدم إستقرار سياسي وأمني وفتور للعلاقات مع أميركا ودول الغرب الإستعماري.
Quds.45 gmail.com