«السيد» للحريري: تلقَّفِ الفرصة!

هتاف دهام

باءت بالفشل كلّ المحاولات الداخلية حتى الساعة لاجتراح الحلول وإنهاء الفراغ الرئاسي، بغض النظر عن جديتها أو العكس. لا يزال الخارج هو اللاعب الأقوى والأول في هذا الملف. لا يتعدى ما يجري من حوارات وتقارب وتفاهمات وطروحات تضييع الوقت في ظل تعنت الموقف السعودي. الإقليم غير مستعجل، والداخل لا يجمعه أي مشترك يمكن الاستناد عليه.

قدّم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب الذكرى العاشرة لانتصار تموز 2006 شبه مبادرة لحلّ أزمة الفراغ الرئاسي. ليست الأولى، سبقها في منتصف تشرين الثاني من العام الماضي طرح قديم جديد من تسوية سياسية على أن تشمل رئاسة الجمهورية والحكومة وقانون الانتخاب، مع تأكيده أنّ المطروح ليس مؤتمراً تأسيسياً وإنما حلّ عبر الدستور والآليات المعتمدة به وبوجود اتفاق الطائف.

تأتي خطوات السيد نصرالله ضمن محاولات تجري جدياً لاختراق الحائط المسدود، بناء على اعتبارات الداخل وقدرتها على جلب الخارج لتمريرها.

المؤكد أنّ الامين العام لحزب الله لن يتراجع قيد أنملة عن تبنّي دعم ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون كخيار رئاسي وحيد لا ثاني له. كشف في خطابه من بنت جبيل أنّ تبني حزب الله لترشيح الجنرال سبق عدوان تموز. يعود إلى تفاهم مار مخايل في شباط 2006. المؤكد أيضاً أنّ مرشح الحزب لرئاسة المجلس النيابي هو الرئيس نبيه بري الشريك في المعركة، في السياسة، في التفاوض، في القتال، في الميدان.

سحب «السيد» النّفَس التآمري الذي دخل فيه الرئيس فؤاد السنيورة بخبث في موضوع ترشيح رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد لرئاسة المجلس. اقتلع بشكل سريع وحاسم لا لبس فيه، دابر فتنة أراد السنيورة استثمارها في هذا المجال.

أطلق السيد نصرالله رسالة إيجابية بعيدة المدى تجاه الرئيس سعد الحريري. أراد من خلالها أن يفتح المجال أمام رئيس التيار الأزرق بشكل واضح لدخول السراي مجدّداً من الباب العريض. نحن منفتحون على السير بك رئيساً لمجلس الوزراء، إذا كنت قادراً على تجاوز الاعتبارات السعودية والأميركية بالسير بالعماد عون رئيساً.

هل سيتلقف رئيس تيار المستقبل هذه الإيجابيات المتعلقة برئاسة الحكومة، علماً أنّ خطوة حارة حريك تجاه وادي ابو جميل مرتبطة بخطوات محثوثة غير معلنة جرت في هذا السياق؟

ساد خلال الفترة الماضية كلام يقوم على فرضية في ما لو وافق «المستقبل» على انتخاب الجنرال رئيساً، هل هناك ضمانات ليكون الحريري رئيساً للحكومة؟ الكلام الذي ساد أيضاً أنّ التيار البرتقالي أبلغ الأزرق أنّ الرئيس الفخري للتيار الوطني الحر يقبل أن يكون الحريري رئيساً للحكومة ويعطيه الضمانات المطلوبة. أشارت بعض التسريبات إلى أنّ «الشيخ» لم يكتف بجواب الجنرال، إنما أراد الحصول على ضمانات من حزب الله. سمع «بيت الوسط» أول امس ما يريد أن يسمعه، رغم أنّ ذلك لا يزال في اطار تشكيل المناخات التي تؤدّي إليه.

يطرح ما حصل في اجتماع كتلة المستقبل الأخير علامات استفهام، عندما قوبلت فكرة الحريري التسليم بانتخاب الجنرال رئيساً، برفض كبير من جناح الرئيس السنيورة. ما حصل أتى خارج الإيجابية التي سادت الأوساط الزرقاء الفترة الماضية. بدا وكأنّ هناك اتجاهاً أقوى من الذي يمثله الشيخ سعد. هل لا تزال هذه الأجواء سائدة؟ لماذا أثار الحريري الموضوع على مستوى كتلته ولم يتعاطَ معه على غرار ترشيحه للوزير سليمان فرنجية عندما فاجأ الجميع بهذا القرار دون العودة الى المشاورات الديمقراطية داخل كتلته؟ هل رغب من خلال هذا النقاش أن يكسر هذا «التابو» ويراكم شيئاً فشيئاً على هذا الموقف؟ أين السعودية من كلّ ما يجري؟ هل النقاش مجرد عصف فكري؟ أم أنّ الموضوع على صلة بإيعاز سعودي ما؟

تأتي خطوة «السيد» في سياق محلي بحت، ليست منفصلة عن الواقع. هي تكتيكية الطابع. حرّك فيها مياهاً راكدة لها علاقة بالحريري حصراً. أحرجه في السياسة. قدّم له محفزات ومبرّرات. مع إدراكه مسبقاً أنه عاجز عن تجاوز العقبات الإقليمية والدولية. فهو لا يستطيع ان يواجه قراراً سعودياً في ما لو كان حازماً برفض الجنرال، إلا إذا ثبّت الحريري العكس.

رمى الأمين العام لحزب الله الحجة على الآخر بالمعنى الإيجابي. وفق مصدر مطلع في 8 آذار لـ «البناء»، لا علاقة لمبادرته بسياسات إيرانية أو سورية او تطورات خارجية. إذا حدث ونجح الـ deal، فلن تمانع طهران ودمشق جلوس الحريري على كرسي رئاسة الحكومة. يدرك حليف حزب الله قبل خصمه انّ السيد نصرالله مفوض في هذا المجال. يقول ما يشاء، ساعة يشاء وفي السياق الذي يشاء. لا أحد من أصدقائه الاستراتيجيين يناقشه بما يقدم عليه من خطوات. بغضّ النظر عن أنه لن يتأخر عند بزوغ خطوات جدية إيجابية في هذا المجال من مناقشتها مع الرئيس السوري بشار الأسد، لا بل يعتبر كلّ منهما أنّ كلمة حليفه حاسمة في هذا المجال.

لكن بماذا يختلف الحريري عن السنيورة؟ لماذا يُبدي حزب الله استعداداً للسير بالحريري رئيساً للحكومة بعد انتخاب العماد عون، ويرفض مطلقاً وصول رئيس الكتلة المستقبلية إلى السراي؟

تختلف «بلس هاوس» عن «بيت الوسط» بالنسبة للضاحية الجنوبية حتى ثبوت العكس. يحاور رئيس تيار المستقبل حزب الله حول الطاولة الثنائية. قدّم التنازلات سابقاً في موضوع سلاح المقاومة والمحكمة الدولية. يمثل الشرعية السنية. لا مناص للحزب من التعاون مع شرعية الحريري في تحقيق أية نقلة نوعية في مسار خروج البلد من أزمته.

لا يرى حزب الله رئيسي التيار والكتلة في كفتي ميزان. تنظر المقاومة إلى السنيورة نظرة مختلفة. لها معه محطات سوداء عديدة. تآمر عليها في العام 2006. ذهب إلى قمة الخرطوم وطلب حذف عبارة تأكيد أنّ المقاومة هي تعبير صادق عن حق الشعب اللبناني وإبدالها بتأكيد حق الشعب اللبناني في تحرير أرضه والدفاع عن كرامته.

وفق «ويكيليكس» تولى شخصان في لبنان قيادة حملة على شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة، هما: مروان حمادة وفؤاد السنيورة. خلال توليه وزارة الاتصالات نقل حمادة الى السفيرة الاميركية في حينها ميشال سيسون ما يملكه من معلومات تفصيلية حول شبكة اتصالات المقاومة، وتشارك هذه المعلومات مع بعض أصدقائه في الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية.. إضافة الى ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن الذي وعده حمادة بتسليمه الخريطة التفصيلية لشبكة حزب الله إذا قرّرت حكومة السنيورة رفع الملف إلى مجلس الأمن.

وفق الوثائق نفسها قام السنيورة للغاية عينها بجولة في المنطقة ناقلاً ملف سلاح الإشارة الخاص بالمقاومة إلى الأردنيين والإماراتيين وإلى رئيس الجامعة العربية عمرو موسى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى