تجربة مستمّرة.. رغم العوائق والعواصف

معن بشّور

حين أطلقنا في المؤتمر القومي العربي الأول المنعقد في تونس العام 1990 فكرة قيام مخيم للشباب القومي العربي تواكب فكرة المؤتمر، وتشدّد على أن الحركة القومية المعاصرة تقوم على تكامل عميق بين خبرة الشيوخ وحيوية الشباب، ظنّ كثيرون أن هذه الفكرة مجرد حلم سينطفئ خلال أعوام قصيرة.

ومرت الأيام، فإذا بهذه التجربة تستمر وتنتقل بين أقطار الأمّة العربية من مشرقها إلى المغرب، وإذ بآلاف الشباب العربي يتعارفون ويتعرفون إلى أقطار وطنهم ويتحاورون في شؤون أمّتهم وشجونها، بل ويتحوّلون قادة بارزين في مجتمعاتهم ليس على الصعيد النضالي فحسب، بل على الصعيد المهني والاجتماعي أيضاً.

واليوم وبعد ربع قرن على انطلاق تلك التجربة، يشارك في هذه المخيمات أبناء من شارك في المخيمات الأولى، مؤكّدين أن راية العروبة تنتقل من جيل إلى جيل، وأن الحركة القومية العربية هي حركة مستقبلية وليست مجرد حنين إلى الماضي.

لقد واجهت هذه التجربة صعوبات وعوائق عدة، بعضها داخلي مرتبط بفهم هذه التجربة ودورها وأهدافها الحقيقية والغاية من إطلاقها، والآخر خارجي متعلق بصعوبة الحصول على موافقات لعقد هذا المخيم أو ذاك، وصعوبة الحصول على تأشيرات دخول إلى هذا القطر أو ذاك، وصعوبة الحصول على الإمكانيات اللازمة لنجاح التجربة وتطويرها، خصوصاً في ظلّ الحرص على استقلالية هذه التجربة التي تساوي وجودها.

ومع ذلك، فالتجربة مستمرة، لها رعايتها، ولها شبابها وشاباتها، ولها اتصالها بحاجة عميقة عند شباب الأمّة للتواصل والتفاعل والتكامل من أجل حياة عربية أفضل.

الشباب العربي وانتصار تموز

قبل عشر سنوات كان العدوان الصهيوني يصبّ حممه من البر والجو والبحر على لبنان من أقصى الجنوب الى اقصى الشمال، فيقتل البشر، ويدمر الحجر، ويحرق الشجر، وسط صمود أسطوري للمقاومة ومعادلتها الذهبية شعب وجيش ومقاومة.

في ذلك الحين كان مخيم الشباب القومي العربي منعقداً في الجزائر برعاية المناضل الكبير الراحل الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي ولجبهة التحرير الجزاىرية الاستاذ عبد الحميد مهري رحمه الله ، وبإشراف مباشر من الأمين العام للمخيمات يومها المناضل عبدالله عبد الحميد الذي لعب مع زميله الآخر المناضل فيصل درنيقة دوراً رئيسياً في بناء هذه التجربة منذ انطلاقها من مركز عمر المختار التربوي في البقاع اللبناني عام 1990.

يومها تحوّل المخيم خلية تفاعل مع المقاومة الباسلة في لبنان، وتحوّلت كل فعالياته إلى أنشطة داعمة للبنان ومقاومته بمشاركة أعداد كبيرة من الجزائريين الذين يعرفون تماماً قيمة المقاومة وشرور العدوان وأهمية رابطة الأخوة العربية لا سيما مع الشعب اللبناني الذي واكب مسانداً وداعماً ومتبرعاً للثورة الجزائرية منذ قيامها في الفاتح من نوفمير 1954 .

واليوم يفتتح مخيم الشباب القومي العربي في تونس في ايام الاحتفال اللبناني بالانتصار، وعلى رأس المخيم المشرف العام المناضل العربي المصري مجدي معصراوي الذي لا ينسى اللبنانيون كيف وصل مع رفيقه الكاتب والمناضل أمين اسكندر والممثلة المناضلة رغدة إلى بيروت وسط القصف الإسرائيلي المجنون ليعلنا وقوف أحرار مصر إلى جانب إخوانهم في لبنان وليكونوا أول من زار لبنان إبان العدوان وليعلنا من بيروت مع زملائهم في المؤتمر القومي العربي، وعلى رأسهم الرئيس – الضمير سليم الحص موقفاً قومياً واضحاً من العدوان ومن سبل مواجهته، تماماً كم فعل بعدهم بأيام المناضل العربي المصري الآخر عبد العظيم المغربي والمناضل النائب الشجاع سعد عبود ليؤكدوا ان مناضلي مصر هم دائماً في الطليعة أياً تكن العوائق والقيود.

وكلنا ثقة في أن تونس التي تتذكر هذه الايام أحد ابرز قادة كفاحها ضد الاستعمار وأحد أهم حاملي راية عروبتها الشهيد صالح بن يوسف في يوم استشهاده في 12 آب/أوت 1961، والتي لم تتخلف يوماً عن نصرة المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، ستحتضن، بقواها القومية الحية وبلجنتها التحضيرية ورئيسها المناضل أحمد الكحلاوي، الدورة الخامسة والعشرين لمخيم الشباب القومي العربي فتجدد العهد مع العروبة التي يمثل المخيم، بمشاركيه الـ 170 القادمين من 15 دولة عربية، تجسيداً رمزياً لها، وبالمستقبل العربي المشرق الذي يمثل الشباب جسر العبور إليه.

فلسطين الحاضر الأكبر

كان الحاضر الأبرز في افتتاح مخيم الشباب القومي العربي الشباب الفلسطينيون الثلاثة الذين منعتهم سلطات الاحتلال من مغادرة فلسطين الضفة مع رفاقهم ورفيقاتهم السبعة الذين تمكنوا من الوصول إلى تونس. والشابان الفلسطينيان اللذان منعهما إغلاق معبر رفح من مغادرة أرضهم فلسطين غزة ناهيك عن ثلاثين شاباً وشابة اعتقلتهم سلطات الاحتلال ممن شاركوا في مخيمات سابقة، وفي ندوات التواصل الفكري الشبابي العربي التي تنعقد في بيروت في ذكرى ميلاد الجمهورية العربية المتحدة 21/22 شباط فبراير .

الاعتقالات تمت على خلفية المشاركة في الانتفاضة الشبابية المستمرة منذ مطلع تشرين اول/ اوكتوبر الماضي.

في حفل الافتتاح كانت ايضاً تحية لمحمود درويش في ذكرى 8 سنوات على رحيله، وكانت قصيدة لتميم البرغوثي ألقاها شاب قادم من فلسطين، وكان تضامن مع الاسير البطل بلال كايد ورفاقه، وكانت دعوة لخروج الامة من حال الاحتراب والفتنة المفروضة على بعض أقطارها، وكان تأكيد على الحوار بين مكونات الامة لتجاوز ما بينها من تباينات.

احد شباب المخيم، الذين علقوا على اعتقال الصهاينة لهذا العدد من رفاقه، ومنعهم آخرين من المشاركة، قال: إنها العلاقة الحميمة بين العروبة وفلسطين فكل خطوة تعزز العروبة تجعلنا أقرب الى فلسطين، وكل خطوة تأخذنا الى فلسطين تعزز في داخلنا روح العروبة التي كان تدميرها الهدف الدائم لأعداء امتنا.

الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى