أردوغان صار في «الجيب»… ماذا عن «إسرائيل» وما تعدّه في الغيب؟
د. محمد بكر
لا يمكن أن يُقرأ جديد التحوّل والأداء السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والجري في الملعب الروسي على قاعدة «صديقي بوتين»، وتلقف ذلك الجديد إيرانياً، عبر زيارة ظريف إلى تركيا، لتدعيم وتمتين ووضع التحوّل التركي في السياق الذي يجب أن يكون فيه، وما قيل عن مقايضة تركية ـ روسية على قاعدة الأكراد مقابل الأسد ، إلا حصداً مضاعفاً للنقاط بالنسبة للدولة السورية، وتعزيزاً لنجاعة الميدان وميل كفته لصالح الأسد وحلفائه، بعد سلسلة من التوترات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وحتى دول الخليج، لا سيما بعد الانقلاب الأخير.
هذا الناتج يشي بالضرورة الى قدرة الدبلوماسية الروسية في حرف مسارات «الهيجان» التركي كلياً، لصالح الحكومة السورية، لكن ماذا عن «إسرائيل»؟ التي لن يكون تقارب أنقرة مع موسكو على حسابها، بحسب ما كتب عومر دوستري في صحيفة «إسرائيل اليوم»، لا سيما بعد توقيع أردوغان اتفاقية المصالحة مع «إسرائيل»، إنما ما تصوغه «إسرائيل» في «الغيب» وخلف الكواليس، وما يصدر عن مراكز الدراسات الإسرائيلية، ينمّ بالضرورة عن تفاصيل لا تخفي في ثناياها إلا الشيطان والنفخ في النار.
يقول الجنرال عاموس يدلين، مدير مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي: «إنّ معالجة مسألة «داعش» من دون إسقاط الأسد، يجعل «إسرائيل» وحدها من دون مساعدة في مواجهة مع محور إيران الراديكالي، وخطر هذا الأخير يفوق بأضعاف خطر الدولة الإسلامية». مضيفاً: «انتهى الزمن الذي تقف فيه «إسرائيل» موقف المتفرّج في سورية، وعلينا ألا نضيّع فرصة إضعاف أعدائنا الأكثر مرارة».
كلام يدلين لا يبدو انه يحمل جديداً من حيث المعايير الإسرائيلية في تحديد الأخطر على أمنها، لكن أن يدعو يدلين صنّاع القرار في «إسرائيل» إلى استراتيجية عمل متعددة الطبقات، ضمن تحالف اقليمي الدول السنّية ، وبدعم دولي على قاعدة شراكة مع واشنطن وتفاهم سري مع موسكو التي لا ترى أي موسكو بحسب يدلين، أنّ الأسد عنصر أساسي في التسوية الدولية للملف السوري، هو ما يشكل الجديد ويشي بالضرورة عن توجه «إسرائيلي» يمضي قدماً لرسم «خبائث» بالجملة في الملف السوري، لا سيما أنّ يدلين اطلق سيلاً من النفاق من دون أيّ حرج، عندما قال «إسرائيل» كانت دائماً إلى جانب السنّة، والمبادئ الأخلاقية تحتم عليها القيام بأعمال محدودة، تعمد فيها إلى إسقاط وتدمير طائرات الجيش السوري، التي تلقي البراميل المتفجرة، ويمكن تنفيذ ذلك من دون الدخول في معركة جوية واسعة»، إضافة إلى ضرورة تحقيق ماسماه «استقرار إنساني جنوب سورية».
لا نستطيع أن نحدّد مدى جدية الحديث الإسرائيلي عن استراتيجيات وآليات لوجستية في سورية من عدمها، وإنْ كان ذلك صادراً عن جهة غير رسمية، لكن ما يطرحه يدلين، وهو رئيس شعبة الاستخبارات الأسبق، يعكس بشكل أو بآخر ذهنية المؤسسة الصهيونية الرسمية، ولا نعرف كذلك ماهية التفاهم الذي ستصوغه «إسرائيل» مع الجانب الروسي، وهل ما تمسّك به بوتين وعضّ عليه بالنواجذ في الملف السوري، ولم يتركه في حضرة العناد الخليجي والتركي، سيكون التفريط به ممكناً كرمى للعيون الإسرائيلية.
الثابت أنّ الإسرائيلي نشط جداً في تلافيف الملف السوري، ترقب عيونه بدقة الحدث السوري، ويصوغ بكلّ ما أوتي من قوة كلّ ما من شأنه خلط الأوراق، وتخريب الطبخات، ومحاولة فرض حضور قوي في أي تسوية دولية، يبدو فيها «الأوهن من بيت العنكبوت» قادراً على حبك وحياكة كلّ عوامل استنزافنا وإلهائنا وإضعافنا وحرف جبهاتنا ومساراتنا.
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83 gmail.com