حزب الله يفتح ملف «النفط» في لحظة إقليمية حاسمة

روزانا رمَّال

اغدق امين عام حزب الله في خطابه الاخير بعيد انتصار لبنان في «حربه الثانية» كما تسميها اسرائيل في تمريره لرسائل استراتيجية للمجتمع الدولي الذي بدا حسب السيد حسن نصرالله وكأنه يفتتح مرحلة جديدة من عمر الشرق الاوسط بعدما المح بشكل مباشر عن امكانية تعاون اميركي روسي لضرب تنظيم داعش في الرقة والموصل «كاولوية اميركية» تستخدم ورقة أساسية في الانتخابات الرئاسية التي دخلت واشنطن مفاعيلها بشكل جدي. بالتالي، لم يعد وارداً في هذا الإطار اعتبار أي خطوة اميركية مقبلة واقعة ضمن «المراوغة او الارتجال» القابل للتعديل. فأي قرار اميركي شرق اوسطي اليوم لإدارة اوباما في هو بمثابة «موقف نهائي» لا رجعة عنه. فكل شيء سيجير بطريقة أو بأخرى لمرشحة حزبه وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في مواجهتها مع ترامب خلال الأشهر القليلة المتبقية لبدء الاستحقاق.

يتوجه أوباما باهتمام شديد نحو معركة مكافحة الارهاب من جهة ومعركة كسب أوراق إضافية في المعركة السورية من جهة أخرى، يمكن لحلفائه صرفها في أي لحظة توضع المفاوضات فيها على السكة الصحيحة، وتؤكد في هذا الاطار معارك «سوريا الديمقراطية» في منبج المدعومة من واشنطن بشكل مباشر على ذلك، ويؤكد عزمها على تحرير مدينة الباب ايضا على هذا. وهنا يلفت حرص واشنطن ووسائل اعلامها المحلية والمدعومة منها في الشرق الاوسط من فضائيات عربية أساسية على تسمية التنظيم الكردي «المدعوم أميركياً»، وكأن رفع الحراك الاميركي الجدي والانجاز في هذا الإطار الى اعلى مستويات الخطاب هو سياسة اميركية مطلوبة من الآن فصاعداً، ما يعني أن نيات حجز مكان في تصدر عناوين مكافحة الارهاب هو مبتغى اميركي للاشهر المقبلة.

يتحدث مسؤولون اميركيون وروس، خصوصاً سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي عن قرب التعاون الأميركي – الروسي لضرب الإرهابيين في حلب، وهذا تطور ميداني كبير يفتح نوافذ استفهام عديدة لجهة تعاون روسي في إعطاء الأميركيين فرص المشاركة في أي إنجاز مقبل في حلب. مع العلم أن المحور الروسي الإيراني السوري وحزب الله قادر على تحقيق «إنجاز حلب» من دون الحاجة لإشراك الغرب فيه. وهذا «تأكيد حاجة الإدارة الاميركية الديمقراطية الشديدة للإنجاز». وهو ما يعني ان ثمن المشاركة في التعاون يأخذ في عين الاعتبار في اي مفاوضات المصلحة الإيرانية السورية الروسية على الأرض السورية.

تكفي إشارات امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لتأكيد شكل المرحلة المقبلة وإحاطة الحزب بدائرة المفاوضات قريباً، فحديث نصرالله المباشر للإرهابيين ودعوته إياهم لإلقاء السلاح أو مواجهة الموت من مشغّليهم الغرب والعرب يعني «إخباراً» من نصرالله للمهتّمين أن مرحلة من التسويات الإقليمية قد بدأت وعلى هذا الاساس استرسل بالمزيد من الاشارات وأتقن بثه مطالب حزب الله المباشرة وغير المباشرة للمجتمع الدولي، مخصصاً «إسرائيل» بملف «النفط» الذي بدا أن نصرالله يتقصد الحديث عنه بهذا التوقيت لسبب أساسي يعود إلى علمه بفتح مطبخ التسويات في المنطقة، فسارع لوضع النقاط على الحروف بهذا الإطار ناصحاً العدو «الإسرائيلي» أخذه بعين الاعتبار معايير وأسس في هذا الملف يحرص لبنان على عدم تخطّيها أولاً، ومخاطباً الداخل اللبناني باستحالة سماح حزب الله بالمراوغة بهذا الملف أو تمرير صفقات تسمح بخسارة لبنان حقه بالسياسة في وقت لم يستطع أن يخسره في الحرب,

وهنا يفيد التذكير بزيارة سابقة قام بها مسؤول اميركي الى لبنان، وهو موفد خاص من الادارة الاميركية اموس هوكشتاين منسق شؤون الطاقة الدولية، وبحثه مع مسؤولين لبنانيين في هذا الملف بينهم الرؤساء بري وسلام والحريري ووزير الطاقة ارتور نظريان ووزير الخارجية جبران باسيل الذي كان قد تسلّم في مرحلة سابقة وزارة الطاقة، وقد بحث معه حينها في ملف «المناقصات»، ودخل بتفاصيل الملف الذي خوّله حمل معلوماته لإدارته وتقديمها للبحث هناك، في إشارة أميركية واضحة على اهتمام واشنطن المباشر بنفط لبنان وغازه.

يسأل نصرالله اليوم في لحظة إقليمية حاسمة عن اسباب تعطيل تسيير ملف النفط ويقول «هل القرار أميركي «إسرائيلي» بالتعطيل؟»، يتابع.. «نرجو أن يكون هذا فقط تعطيلاً محلياً..».

يدرك حزب الله جيداً ان كل المعطيات الاميركية تشير الى نيات تمرير هذا الملف بطرق ملتوية عبر مساعٍ سياسية بدت في حراك مبعوثين اميركيين في فترة سابقة، ويدرك أيضاً ان ملف التعدي العملاني في مواقع استخراجها هو هدف اسرائيلي دائم، لهذا السبب اعاد نصرالله التذكير بخطابه بمعادلة الردع التي طرحها حزب الله في حرب تموز ليرفعها عنواناً نفطياً عريضاً، قائلاً «لديكم منشأة نفطية ونحن لدينا منشأة نفطية هنا أيضاً». تهديد مباشر لتل ابيب في وضع لبنان قادر فيه على حماية نفطه وغازه، وكلما عليه فقط هو أن يقرر استخراجه، يختم نصرالله .

لحظة إقليمية حساسة يطرح فيها حزب الله إحدى أبرز أوراقه التي يخشى على أساسها تركيب مخرج رئاسي ملتوٍ للبنان يكون فيها مساعي تمرير رئيس للجمهورية ومعه رئيس للحكومة يساير فيها لبنان المجتمع الدولي في اقتراحات من شأنها أن تفقده حقه في الدفاع عن موارده فيقطع الطريق على صفقات رئاسية من هذا النوع، وصفقات عسكرية إسرائيلية أيضاً قبل إطلاق صفارة انطلاق المفاوضات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى