روسيا وإيران يُكملان نسج الشرنقة نحو طريق الحرير الجديد
تماضر عباس
ليس من الضروري التمعّن كثيراً في سياسية هذا الدب القطبي البارد، صاحب الحجم الكبير والأنياب والمخالب الحادّة التي لا تقهر، لنعرف كم يملك من الحكمةِ التي تجعل فرائسهُ تتقدّمُ صوبهُ غير خائفةٍ وهو ساكنٌ وهادئٌ ومتزن. وليس من الصعبِ التعرّف على صانع السجاد الأليف الصابر الهادئ، الذي يُحيك بهدوء لينهي ما بدأه وإن طال أمده.
بحيلة وحنكة وحكمةِ الدب الروسي، وهدوء وصبر وبراعة صانع السجاد الإيراني، تمّت حياكة الشرنقة حول التركي صاحب الأحلام السلطانية، السلطان السابع والثلاثين رجب طيب أردوغان، الذي وجد نفسه بعد تخلي حلفائه عنه وتورّطه في سورية، قد تهدّمت أحلامه السلطانية أمام الجيش السوري. وخساراته الاقتصادية نتيجة الغضب الروسي، انتهاءً بالانقلاب العسكري عليه، والذي تورّط فيه حلفاؤه أنفسهم.
في لقاءٍ مشترك جمعه بالرئيس الروسي في مدينة بطرسبورغ الثلاثاء 9 آب، أكد الطرفان عزمهما التوصل إلى تفاهمٍ مشترك بخصوصِ سورية. ونقلاً عن موقع «روسيا اليوم» فإنَّ المحادثات الروسية- التركية استمرت لأكثر من ثلاث ساعات. واستغرقت جلسة محادثات القمّة بمشاركة بوتين وأردوغان، والتي جرت داخل قصر قسطنطين، بعزبة «ستريلنا» في سان بطرسبورغ. واستمرّ الحوار بين بوتين وأردوغان خلال الاجتماع المصغر، قرابة ساعتين، وبدأت بعد ذلك المحادثات بمشاركةِ أعضاء الوفدين، إذ انضم إلى المحادثات عددٌ من المسؤولين العسكريين والسياسيين والاقتصاديين الكبار في البلدين.
فهل أدت الزيارة نتائجها؟
ما أراده التركي من الروسي كان على شقين، أحدهما اقتصادي يتمثل بعودة السيَّاح والتعاون الاقتصادي، حيث كان اسقاط الطائرة الروسية بمثابةِ ضربة موجعة للعلاقات التجارية بين البلدين. وهبطت الصادرات التركية إلى روسيا في النصف الأول من العام الحالي، حيث بلغت قيمتها نحو 737 مليون دولار، أي بانخفاضٍ نسبته 60.5 في المئة، بالمقارنةِ بالفترةِ نفسها من العام الماضي، وفقاً لصحيفة الصباح التركية. كما تسبب النزاع في تجميد مشروعين ضخمين للطاقة هما: تركستريم لنقل الغاز الطبيعي عبر البحر الأسود ومُفاعل أكويو النووي، الذي تُشرف الوكالة الفيدرالية للطاقة النووية الروسية روزاتوم على بنائه. وقبل الأزمة، كانت روسيا المستورد الرئيسي للمنتجات التركية من الخضروات والفاكهة، وتسعى أنقرة جاهدةً إلى أن تُسهم الزيارة في رفعِ حظرِ الاستيراد. وهذا ما تعهد به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، باستعادة العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين. وقال بوتين إنَّ العقوبات التجارية التي فرضتها موسكو على تركيا «سترفع تدريجياً». وأوضح ـ لدى لقائهِ أردوغان في سانت بطرسبرغ – أنَّ الأولويَّة تتركز على العودة لمستوى التعاون الذي كان قبل الأزمة حسب «بي بي سي».
والشق الثاني: كان يتعلق بمخاوف التواجد الكردي وتشكيلِ الدولة الكردية، وهذا ما لن يُحققه إلا التعاون مع الروسي والأيراني في الشأن السوري، والوقوفِ في خندقٍ واحد بما يخصّ سورية. وبالرغمِ من أنه لم تكن هناك تصريحات واضحة بخصوصِ الشأن السوري. لكن يوم الجمعة 12 آب استقبل الرئيس التركي وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، في العاصمة التركية أنقره. وذكرت مصادر في الرئاسة التركية أنّ أردوغان استقبل ظريف في المجمع الرئاسي، وعقد الطرفان لقاء مغلقاً استمر نحو ثلاث ساعات، من دون ورود أيَّ تفاصيل أخرى عن اللقاء. وأكد موقع «روسيا اليوم» أنه بعد لقاء الرئيس التركي، إلتقى ظريف نظيرهُ التركي مولود جاويش أوغلو، وعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً أعلنا فيه أنّ طهران وانقرة متفقتان على ضرورةِ الحفاظِ على وحدةِ الأراضي السورية. وأوضح وزير الخارجية التركي، أنَّ بلاده ستتعاون مع أيران في مواضيع أهمها وحدةُ الأراضي السورية والتعاون في القضايا الأمنية، وضرورة محاربة المجموعات الإرهابية معاً. وشكر جاويش أوغلو إيران حكومةً وشعباً على وقوفها إلى جانب تركيا ضدّ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة. تحقق للتركي ما أراده وبقي عليه إغلاق حدوده وتنفيذ تعهداته.
معالم العالم الجديد بدأت تتوضح ولو بشكلٍ غير رسمي، والحرب ضد سورية بدأت تفقد مشغليها واحداً تلوَّ الآخر. روسيا تظهر كعملاق السياسة والقوة نتيجة الحرب على سورية وموقفها منها، وايران تنهي تسويات ملفاتها العالقة مع الغرب، وغداً سيكون موعد الاتفاقات ومد خطوط النفط على طريق الحرير الجديد، القادم من أسيا إلى أوربا عبر سورية. وصمود سورية التي شكلت معادلة العصر الجيوسياسية الأهم لهذا القرن، وأن تجيد اختيار حليفٍ جيد هو أمر بغايةِ الأهمية والذكاء، وهذا ما فعلته سورية حين اختارت حلفائها وخطها الثابت، مهما كثُرت محاولات التضليل وإظهار الحليف الروسي والإيراني على أنه صاحب مصلحة أو صاحب احتلال أو مضارب في أسواق السياسة، يبيع حلفائه في بورصةِ التسويات، فلن يُصدّق أحد منا هذا لأنَّ ما يحدث هو أكبر بكثير من مجردِ مضاربة ومصالح، هو بناءٌ لعالمٍ جديد، وكسرلأحادية سادت لزمنٍ طويل، وتغيير من خارطة الطريق الخاص بهم إلى طريق الحرير الخاص بنا.