روسيا.. وقاذفات «همدان»
نظام مارديني
ليس تفصيلاً صغيراً انطلاق قاذفات تابعة لسلاح الجو الروسي من قاعدة همدان الإيرانية لتقصف مواقع الجماعات الإرهابية في كل من ريفي حلب وأدلب ودير الزور، إذ يعيد هذا الحدث العسكري الكبير من جديد أهمية الدور الروسي وقرار الرئيس فلاديمير بوتين الدخول بقوة إلى دعم الدولة السورية، وذلك بعيداً عن تلك القراءات المشبوهة المرتبطة ببعض الاستخبارات الغربية، التي سعت لضرب رمزية بوتين في الوجدان السوري، كما وبعيداً عن وجهات نظر أخرى تحاول المساواة بين الدورين الروسي والأميركي في واقعة الأزمة السورية.. عن كل ذلك تجب قراءة الدور الروسي من خلال المحور الممتدّ من الصين وحتى الشواطئ السورية، باعتباره محوراً واحداً غنياً بالاقتصاد والعسكر.
إذاً، الدخول الروسي منذ البداية جاء بعدما رأى بوتين أن السيناريو كان يقضي بتقويض الدولة السورية. بالتالي تمدّد تنظيمي داعش والنصرة، ومشتقاتهما، في كل الأرجاء السورية.. وإذ تستشري الفوضى الدموية أكثر فأكثر، ويستشري معها الخوف من انعكاس الوضع على دول أخرى، كان المخطط أن تبادر دول غربية وخليجية، الى الطلب من تركيا اجتياح سورية برياً بمؤازرة من القاذفات الأميركية والبريطانية والفرنسية لإعادة ترتيب الوضع هناك.. ولكن كانت إعادة ترتيب الوضع أم إعادة ترتيب الخرائط؟
ديبلوماسي روسي كان قد أماط اللثام عن جانب من السيناريو بالقول إن مئات الدبابات ومئات الطائرات من بلدان عربية استنفرت عبر الأردن لتشق الطريق إلى دمشق، وتحت الراية السورية.. بينما هي عملياً تحت الراية التركية ما دامت البلدان إياها على ذلك المستوى من الهشاشة ومن الصراع على الأدوار. وهل نتذكّر هنا زيارات المقتول زهران علوش، رجل تركيا أكثر من كونه رجل السعودية، إلى اسطنبول أكثر من مرة، حتى أنه استقبل على أنه الوالي العثماني لدمشق. الوعود أغدقت عليه لمؤازرته جواً في دخول عاصمة الأمويين، ولكن الطائرات الروسية سبقت أحلامهم وقتلت علوش ومَن معه.. وكان قتله بمثابة الرسالة الصارخة الى أميركا والسعودية وتركيا، وبيادقهم في سورية، بأن دمشق هي خط أحمر مثلما هو الرئيس الأسد خط أحمر.
ثمّة مسؤول خليجي قال لزميل له إن اغتيال علوش كان «صدمة فظيعة لنا».. هكذا «قصم النظام ظهر الثورة»، بعدما كان قد تمّ إعداد علوش ليكون الرقم واحد في المرحلة السياسية إن أزفت!
القاذفات الروسية التي انطلقت من «همدان» الإيرانية أول أمس، أحدثت تغييراً دراماتيكياً ليس في المسار الميداني فحسب، بل إنها أرست خريطة جديدة للأرض، وحيث بدت الفصائل المسلحة في شتى المناطق وكأنها داخل معسكرات مقفلة بعدما قطعت القاذفات كل الخطوط اللوجيستية التي كانت تشكل شبكة شديدة الترابط وشديدة التأثير، يأتي كل ذلك في سياق معركة حلب التي تكتسب راهناً بعداً استراتيجياً في سياق الحرب على الإرهاب، وهذا ما يشير إلى كثرة التدخلات الأميركية والسعودية لتعطيل حسم هذه المعركة لصالح الجيش السوري، خاصة أن الثقل الروسي قد فرض واقعاً دولياً قوياً من الصعب تجاوزه.
ثمة ديبلوماسي روسي في دمشق، أكد أن سيرغي لافروف مازح جون كيري سائلاً «ما رأيك إذا كان النظام هو الهيئة الانتقالية؟».. لا ندري ما كان تعليق الوزير الأميركي، لعله قال لنظيره الروسي «إياك أن تقصد لعشر سنوات أخرى»!
رسائل روسية وصلت، في الآونة الاخيرة، إلى أكثر من دولة في المنطقة: لن نغادر سورية أياً كان الثمن، ثم أين مصلحتكم في أن نغادر لتبقوا في قعر السلة الاميركية..!؟