جابر: حلب تقرّر مصير الحرب واستعادتها تنهي مشروع التقسيم وتفتح الطريق لتحرير إدلب وجسر الشغور

حاورته روزانا رمال – تحرير محمد حمية

أكد الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الدكتور هشام جابر أن قرار إيران فتح قواعدها العسكرية أمام الطائرات الروسية نقلة نوعية كبيرة في عمل القوات العسكرية الروسية في سورية ودليل على تعاون استراتيجي كبير بين موسكو وطهران، موضحاً أن هذا التطور له أسباب عسكرية وتقنية وسياسية.

وفي حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وقناة وموقع «توب نيوز» أشار جابر إلى أن تركيا تدير كل غرف العمليات العسكرية في سورية ولديهم نفوذ على الجميع من جبهة النصرة والتنظيمات التابعة لها، وهناك 1200 ضابط وخبير تركي يعملون في ريف حلب وإدلب، لافتاً الى أن «الرئيس التركي رجب أردوغان أراد أن يذهب للقاء الرئيس الروسي فلادمير بوتين ليس على صورة المهزوم بل مزود بأوراق لاستعمالها في المفاوضات»، وأعرب جابر عن اعتقاده بانه إذا أغلقت تركيا حدودها مع سورية فسيختنق «داعش» تلقائياً، لكنه تساءل: هل تركيا مستعدة لذلك ولأجل مَن؟ مضيفاً: هي لا زالت المحرك الاساسي والاول لما يجري في سورية ولن تقدم رأس داعش مجاناً لا لروسيا ولا لأميركا.

وشدد جابر على أنه تم الاتفاق بين روسيا وتركيا في سانت بطرسبرغ على حفظ وحدة سورية القائمة على ثلاث قواعد أساسية، العاصمة دمشق والساحل السوري ومدينة حلب التي تقرر مصير سورية واستعادتها الى الحضن السوري يمنع تقسيم سورية، ويشكل تقدماً استراتيجياً هاماً يفتح الطريق لتحرير إدلب وجسر الشغور».

وبين جابر أن السعودية تلعب بكامل رصيدها في اليمن وفي الميدان السوري، وبالتالي لن تسمح السعودية للنظام في سورية أن يحقق مكسباً ميدانياً يذهب به إلى جنيف 4، كاشفاً أن «إسرائيل تحرض السعودية للذهاب باتجاه مزيد من التصعيد والحروب في المنطقة، لأن تقسيم السعودية مصلحة إسرائيلية قبل تقسيم العراق وسورية ولأن ذلك يحل الأزمة الفلسطينية الى الابد فتقسيم نجد والحجاز والمنطقة الشرقية سيصبح الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين وينقل حكم المملكة الهاشمية الى الحجاز».

وفي ما يلي نص الحوار كاملاً..

كيف تقرأ قرار إيران فتح قواعدها العسكرية أمام الطائرات الروسية التي تعمل في سورية؟

هذه نقلة نوعية كبيرة في عمل الحملة العسكرية الروسية في سورية ودليل على تعاون استراتيجي كبير بين موسكو وطهران، وهذ التطور له أسباب عسكرية وتقنية وسياسية، الأسباب السياسية والإستراتيجية تتعدى الفائدة التقنية من هذا العمل، على المستوى التقني، الطائرات الروسية تنطلق من قاعدة حميميم في جبلة في سورية التي ستصبح قاعدة جوية دائمة وتحتوي على طائرات مقاتلة من نوع ميغ وسوخوي وهي طائرات استراتيجية تحمل قاذفات كبيرة وربما هذه القاعدة لا تتسع لجميع الطائرات المقاتلة وإن اتسعت فالأفضل أن تنطلق من مكان آخر. الروس استعملوا هذه الطائرات من المطارات في جنوب روسيا، وانطلاق الطائرات من إيران يختصر أكثر من نصف المسافة، وبالتالي تستطيع حمل ضعف القنابل التي تحملها من مسافات أكبر، سياسياً هي رسالة بالغة الأهمية الى اللاعبين على الساحة السورية وتحديداً إلى الولايات المتحدة بأن التحالف الإيراني – الروسي أصبح تحالفاً استراتيجياً كبيراً في ما يتعلق بالشأن السوري وهناك توافق على نقاط أساسية. الجانب الأميركي انزعج من هذا التقارب والتنسيق العسكري رغم إبلاغه بالأمر من قبل روسيا لأن الطائرات الروسية ستعبر الأجواء العراقية وكي لا يحدث أي صدام جوي فوق الأراضي العراقية والسورية. أميركا تنزعج من التقارب الروسي – الإيراني الذي أتى بعد التقارب الإيراني التركي. حلب الشرقية كانت الشهر الماضي على قاب قوسين أو أدنى من أن تسقط عسكرياً في قبضة الجيش السوري من دون أي قتال بعد أن أحكم السيطرة على حلب وبدأ الحديث عن انتقال المدنيين الى حلب الغربية وفتح ممرات للمسلحين الى خارج الأراضي السورية.

هذا الزخم الذي دخل فيه الجيش السوري الى حلب من أين أتى؟ هل من الاتفاق الروسي – الأميركي أم من تركيا؟

أميركا في البداية أعطت ضوءاً أصفر لروسيا لتسهيل مهمة الجيش السوري لاستعادة حلب الشرقية الى الحضن السوري من دون قتال، لكن في نهاية تموز انقلب الموقف، والمجموعات المسلحة التي استفادت من الهدنة الروسية الأميركية في سورية وتمكّنت من السيطرة على نقاط استراتيجية في ريف حلب الجنوبي.

هل انكفأت تركيا عن الميدان السوري وتقدمت السعودية؟ وهل تأثرت بأحداثها الداخلية أم هي مستمرة في معارك حلب حتى النهاية؟

السعودية تدفع المال فقط ولا حدود لديها ولا وجود عسكري في سورية بل تشتري السلاح وتنقله عن طريق تركيا الى سورية وقطر كذلك. الدعم للمسلحين أتى بزخم ودعم سعودي وأسلحة متطورة جداً في الأسبوع الأخير من تموز وإرسال مقاتلين انضموا الى المجموعات التي قامت بالهجوم في حلب. الفاعل الأكبر في سورية هو التركي، يخطئ من يظن أن ما جرى في تركيا أثر على دور تركيا في سورية، هناك 1200 ضابط وخبير تركي يعملون في ريف حلب وإدلب، تركيا تدير كل غرف العمليات العسكرية في سورية ولديهم نفوذ على الجميع من جبهة النصرة والتنظيمات التابعة لها من جيش الفتح وغيره. أردوغان أراد أن يذهب للقاء بوتين ليس على صورة المهزوم بل مزود بأوراق لاستعمالها في المفاوضات، وهذا ما حصل في سانت بطرسبرغ وروسيا تعرف نفوذ تركيا في الساحة السورية، إذا أغلقت تركيا حدودها سيختنق «داعش» تلقائياً، السؤال هو هل تركيا مستعدة لإغلاق حدودها مع سورية ولأجل مَن؟ هي ليست مستعدة لذلك لا اليوم ولا غداً أن تقدم رأس داعش على صحن من فضة مجاناً لا لروسيا ولا لأميركا.

لكن أنت تفصل بين ما جرى في تركيا وبين الوضع في سورية في حين أن إحدى نتائج محاولة الانقلاب في تركيا هي سياسات أردوغان الخارجية وتحديداً في سورية؟

تركيا مهزومة في ما يتعلق بالوضع السوري. أخطأ أردوغان بالعداء مع النظام في سورية وتعرض لخديعة من واشنطن التي أوحت له منذ بداية الأزمة أن النظام سيسقط خلال أسابيع، ورأت نفسها أمام شريط تركي على حدودها طوله 100 كلم وسقطت منبج بيد الأكراد أيضاً، إذا اتصل الشريط الكردي بالجيب الكردي في عفرين تصبح السيطرة الكردية تامة على كامل الحدود السورية – التركية إلا من جهة لواء إسكندرون – إدلب وهذا ما لا تقبل به تركيا. تم الاتفاق بين روسيا وتركيا في سانت بطرسبرغ على حفظ وحدة سورية لأن الشريط الكردي يقسم سورية إذا أعلن ككيان، سورية قائمة على ثلاث قواعد أساسية، العاصمة دمشق والساحل السوري ومدينة حلب، إذا سقطت حلب يمكن البحث حينها بتقسيم سورية ويمكن الحديث عن دولة في حلب، لذلك الحرص على استعادتها الى الحضن السوري، النظام في سورية يمسك بالساحل ودمشق وإذا أمسك بحلب انتهى البحث بتقسيم سورية. جاء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة وجرى البحث بين ثلاث أمم أساسية: تركيا وروسيا وإيران واتفقت مؤخراً على نقاط أساسية في سورية والخلاف على التفاصيل، أميركا دخلت في استحقاق الانتخابات وهي المتهمة بأنها غير جادة في قتال داعش ولا تريد القضاء عليها، والتحالف الدولي كان هدفه الاحتواء وليس القضاء على التنظيم.

هل تركيا نافذة لدرجة الخروج عن القرار الأميركي؟ وهل صحيح أن الإدارة الأميركية انقسمت إلى شقين حيال محاولة الانقلاب الذي دعمه فريق المرشحة هيلاري كلينتون؟

لا يمكن فصل تصور كلينتون عن تصور الرئيس باراك أوباما حيال محاولة الانقلاب في تركيا، أردوغان محبط وتركيا مهزومة وخدعت في الموضوع السوري، حلم السلطنة سقط، مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة فشل، وأردوغان اليوم يطمع بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي، يخطئ من يعتقد بأن تركيا انتقلت من ضفة الى ضفة في الموضوع السوري، بل هي قاعدة تاريخية لأميركا، الجيش التركي أقوى جيش في حلف الأطسي بعد الجيش الأميركي ولم تخرج تركيا من هذا الحلف الى الآن.

لكن أردوغان أطلق على جيشه بعد حملة التطهير تسمية «جيش محمد»، لماذا وهل نحن على موعد مع انقلاب ثانٍ في تركيا؟

أطلق عليه هذه التسمية لأن أردوغان معروف أنه من الإخوان المسلمين، وزعيم المعارضة التركية فتح الله غولن هو داعية إسلامية، لكنه منفتح ومعتدل وليس متطرفاً. وما يحصل في تركيا الآن هو صراع بين الإسلاميين والإخوان المسلمين، ما حصل في تركيا هو محاولة انقلاب فاشلة تبعها انقلاب من النظام على مؤسسات الدولة التركية، أردوغان لم يصف العلمانيين فقط بل كل معارضيه، هناك خلاف بين تركيا وأميركا وليس انفصال بينهما.

كيف تصف العلاقات بين موسكو وأنقرة؟

لا يوجد خلاف بين تركيا وروسيا في الميدان السوري قبل إسقاط تركيا للطائرة الروسية في سورية، والعلاقة التركية – الروسية كانت جيدة وتربطهما علاقات اقتصادية جيدة جداً، ووصل عدد السياح الروس في تركيا إلى سبعة ملايين كل عام. تركيا ستعود تدريجياً إلى العلاقة نفسها مع روسيا منذ عام رغم الاختلاف في الميدان السوري، أردوغان راجع حساباته واكتشف أنه خدع وهزم ووجد نفسه أمام شريط كردي يتسابق الجميع للغزل والتقرّب منه وخاصة الإتحاد الأوروبي وأميركا، أردوغان يستطيع أن يمنع الحل في سورية ورأس داعش أهم أوراقه ويريد ثمناً مقابل ذلك، فيقوم بابتزاز الأميركيين بالتقارب مع روسيا، أميركا بلا قرار اليوم وتحولت بطة عرجاء حتى انتهاء الاستحقاق الرئاسي.

عندما استعرت الحرب في حلب استعرت في الوقت عينه الحرب في اليمن، ما الرابط بينهما ولماذا. السعودية تصعد في اليمن رغم المفاوضات في الكويت وتركيا تصعّد في حلب؟

السعودية فشلت في استثمار الحرب في العراق وفي سورية خلال خمس سنوات وفشلت في حسم الحرب على اليمن، وفي كل الحروب التي تورطت فيها. السعودية تلعب بكامل رصيدها في اليمن وفي الميدان السوري، كل المال والسلاح يتم إرساله الى سورية عن طريق تركيا، لن تسمح السعودية للنظام في سورية أن يحقق مكسباً ميدانياً يذهب به إلى جنيف 4.

كيف تستطيع أميركا أن تلعب هذه اللعبة السياسية في المنطقة: تضع حلب مقابل أطفال اليمن والي أي مدى تستطيع السعودية تنفيذ الرغبات الأميركية؟

أميركا لا تعير اهتماماً لاستنزاف السعودية ما دامت تدفع كل بضعة أشهر 3 مليارات دولار صفقات ذخائر مع أميركا، حرب اليمن عبثية وإسرائيل المستفيدة الأولى منها وتؤثر على الإدارة الأميركية، سواء كان أوباما أو غيره. وأميركا تعتبر السعودية حليفاً اساسياً لها، وهناك معلومات بأن إسرائيل تحرض السعودية للذهاب باتجاه مزيد من التصعيد والحروب في المنطقة، لأن تقسيم السعودية مصلحة إسرائيلية قبل تقسيم العراق وسورية لأن تقسيمها يحل الأزمة الفلسطينية الى الابد فتقسيم نجد والحجاز والمنطقة الشرقية سيصبح الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين وتصبح المملكة الهاشمية في الحجاز،

إذا لم تقسم سورية من الصعب تقسيم السعودية. حرب اليمن بلا أفق، وهناك حلان أمام السعودية، إما استعمال كامل رصيدها في حرب عسكرية في اليمن وحسم الحرب وإما الانسحاب، ولن تنسحب مهزومة، وستلجأ إلى استراتيجية الخروج بأقل خسائر ممكنة وأكثر مكاسب سياسية ممكنة. هي اليوم تجرب آخر خرطوشة في الميدان السوري قبل ان تتخذ قرارها باستراتيجية الخروج من اليمن، لكن السعودية تسأل أميركا: ما هي حصتي في جنيف 4؟ ما يجري في الميدان السوري ممكن أن يقلب التوازنات في جنيف رأساً على عقب إن حصل، فوفد الرياض لن يذهب الى جنيف 4 كما كان منذ شهرين. حلب ستسقط بيد الجيش السوري والرئيس بشار الأسد لديه أوراق قوية، أين المكون الكردي؟ سيكون على طاولة جنيف 4، وتبقى جبهة النصرة وتغيير اسمها عمل خليجي قطري أميركي لفرض إشراكها على طاولة المفاوضات، النصرة تحارب في حلب باسم فتح الشام الذين يملكون مئات صواريخ تاو المضادة للدروع والدبابات ولن تلقي سلاحها، لا أستغرب إن وجدت النصرة في جنيف 4 مكان جيش الإسلام. ما يجري في حلب حرب كونية وحرب مصالح دولية، حلب أم المعارك وتقرر مصير سورية. إذا استطاع النظام استعادة حلب إلى الحضن السوري يكون حقق تقدماً استراتيجياً هاماً يفتح الطريق لتحرير إدلب وجسر الشغور. السؤال هل هذا مسموح من قبل اميركا رغم التوافق مع روسيا وهل مسموح تركياً؟ ماذا ستجني تركيا مقابل ما تقدم؟ لن تقدم شيئاً من دون لقاء الثمن الذي تريده، فهي لا زالت المحرك الاساسي والاول لما يجري في سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى