ما بين تموز وآب حكاية انتصار والمقاومة مستمرة
عباس الجمعة
نحن اليوم نتوقف أمام انتصارت صنعتها المقاومة في لبنان وفلسطين، ونقف أمام خطاب مهمّ جداً لسيد المقاومة السيد حسن نصرالله في بنت جبيل، حيث شكل نقطة تحوّل كبيرة، نعم نحن أمام ذكرى انتصار المقاومة الذي أفشل مخططات العدو الصهيوني والإدارة الأميركية وأفشل «الشرق الاوسط الجديد».
لقد تحقق الانتصار والصمود والتضحية بإرادة المقاومين وبإرادة الشعب اللبناني وجيشه الوطني، ولن ننسى حامي المقاومة الرئيس نبيه بري الذي شكل باحتضانه ودعمه للمقاومة بكافة الوسائل، فكيف لا وهو يحمل المقاومة والقضية الفلسطينية في كافة البرلمانات العربية والدولية ويشكل بوصلة النضال من أجل حرية الأرض والإنسان.
كذلك كان انتصار وصمود الشعب الفلسطيني بتضحياته ومقاومته في قطاع غزة، ورغم ذلك شعورنا بتعاظم الضغوط والمؤامرات الرامية الى تجريد الأمة من سلاحها، أيّ من حقها وقدرتها على مقاومة محتلي الأرض ومغتصبي الحقوق انطلاقاً من إدراك أعداء أمتنا بأنّ ظاهرة المقاومة آخذة في الاتساع والنمو، كماً ونوعاً، وها هي تسطر بتضحياتها معركة على امتداد المنطقة، وانّ هذه المقاومة كفيلة لا بتحرير الأراضي المحتلة فحسب، بل في إحداث تغيير حاسم في ميزان العلاقات الدولية بأسرها مع انتصار سورية والمقاومة في معركة حلب، وإخراج العالم كله من هيمنة الأحادية القطبية الأميركية المتغطرسة، ومن نفوذ العنصرية التوسعية الصهيونية المتمادية، وكلاهما أيّ الهيمنة والعنصرية يشكلان وجهان لظاهرة الفاشية الجديدة التي تحاول التحكم بمنطقتنا والعالم.
لذلك شكل خطاب السيد حسن نصرالله الدعوة لكلّ أدوات التواصل والتكامل والتفاعل بين كلّ ساحات المقاومة وقواها، فأزال كلّ العقبات وتجاوز كلّ العوائق ونزع كلّ الألغام المزروعة للفصل بين مقاومة هنا ومقاومة هناك.
ومن هنا نرى انّ أيّ رهان على الخلل في ميزان القوى الظاهري لصالح قوى الاحتلال والهيمنة، سواء قامت به أنظمة ودول، او شرائح وجماعات، هو رهان خائب وخاسر حتماً، ليس بالمعيار الوطني والقومي والاسلامي، بل بالمعيار الواقعي ايضاً، وخاصة انّ خط المقاومة بكافة أطرافها أصبح واضحاً، وهذا يؤكد على صعود حركة المقاومة وتطويرها، والى تراجع وارتباك في صفوف الأعداء الذين لن تنفعهم كلّ محاولاتهم بإثارة الفتن وإشعال الحروب الأهلية، ومن يتابع بدقة ما يجري على الساحة الدولية والإقليمية يلاحظ بوضوح صحة ما نقول.
فنحن عندما نتحدث عن ذلك ندعو الى فتح أوسع حوار الأحزاب والقوى العربية، لإعادة تحليل وتركيب كافة القضايا التي تواجه واقعنا العربي، من أجل النهوض بكافة القوى اليسارية والتقدمية والقومية العربية حتى يتمّ فتح باب الحوار أيضاً بين مختلف التيارات والحركات الفاعلة على اختلاف مشاربها الفكرية والأيديولوجية… الماركسية، والقومية، والإسلامية المتنوّرة، إذ رغم الاختلاف على المستوى الإيديولوجي، فنحن نميّز بين التيار الإسلامي المقاوم للمشروع الإمبريالي الصهيوني، وبين التيار الظلامي الاستئصالي التكفيري الذي يرفض الحوار ويعتبر نفسه البديل المطلق لكافة التيارات الأخرى الفاعلة في الواقع العربي.
انّ مقاومة الاحتلال تستدعي من الجميع علاقة تفاعلية واضحة، كما انّ الوحدة بين مختلف القوى والأحزاب العربية بكلّ مستوياتها وتمسكها بالمقاومة التي هي درع هذه الوحدة وحصنها الرئيسي، حيث أثبتت التجارب انّ مقاومة الشعوب لمحتليها وأعدائها تكون أجدى وأفعل إذا ترافقت مع علاقات وبنى ديمقراطية صحيحة، كما أثبتت التجارب أيضاً، خصوصاً في فلسطين والمنطقة، ان لا ديمقراطية مع الاحتلال، اذ لا ديمقراطية بدون حرية ولا حرية في ظلّ التدخل الامبريالي الاستعماري، وخاصة انّ المعركة الجارية كشفت زيف ادّعاء خطاب السلام المخادع، كما أظهرت، وبوضوح مرة أخرى، الأطماع الامبريالية والصهيونية في محاولة لحذف كلّ أبجديات المقاومة من قاموس المنطقة العربية، حيث فتحت المعركة الجارية بمواجهة الإرهاب آفاقاً جديدة على المستقبل، ولكن لن تكون تلك نهاية الأمور، وخاصة انّ المرحلة تستدعي مواجهة سيناريو آخر وحلقة جديدة من المخطط الصهيوني الأميركي، وعلى الرغم من كلّ المؤامرات التي تحيكها الإدارة الأميركية في ما اصطلح على تسميته بـ«الشرق الأوسط الجديد» القائم على الحروب الطائفية وتفتيت المنطقة، إلا أنّ الوعي القومي العربي أصبح الحصانة الأولى للتصدّي لهذه المشاريع الاستعمارية الجديدة التي تقودها الامبريالية الأميركية والقوى الاستعمارية وحليفهم الكيان الصهيوني، لانه لم يعد خافياً على أحد مدى تورّط بعض دول الخليج العربي بمشروع تقسيم المنطقة في إطار ما سمّي مشروع الشرق الأوسط الجديد، كلّ ذلك دعماً للمشروع الصهيوني من خلال التطبيع حيث كشفوا عن حقيقتهم المتصهينة من خلال دعمهم قوى الإرهاب التي تستهدف تمزيق المنطقة وتفتيت مشروع المقاومة كلّ ذلك خدمة لأسيادهم الصهاينة.
لقد شكلت المقاومة على امتداد المنطقة وفلسطين درع للأمة في وجه كيان الاحتلال الصهيوني كما شكلت حصناً بوجه المنظمات الإرهابية، نجد من الضرورة أن نقف أمام أبرز الدروس والعبر التي جسدتها التجربة النضالية لكافة قوى المقاومة، وأهمية تمثّلها في هذه اللحظة السياسية التي نعيشها في ذكرى انتصار المقاومة على المشروع الصهيوني وحلفائه، وبدور الجماهير الشعبية العربية الحاسم في تحقيق هذا الانتصار، بحيث لم تفقد البوصلة التي تشير إلى فلسطين يوماً أو تلك التي تحدّد وبوضوح معسكري أصدقاء وأعداء الشعب الفلسطيني وثورته في وجه الظلم التاريخي الذي لحق به، وبغضّ النظر عن التناقضات والاختلافات والتعارضات مهما كانت حدتها، موضوعية وصحية، فنحن نتطلع ان تكون مصدرا أساسيا للارتقاء والتقدم والتطور، طالما بقيت مضبوطة لأولوية تناقضها الأساسي مع عدوها الرئيسي، ولقواعد الحوار والحوار فقط، لتعطي مثلاً ونموذجاً غير مألوف في واقعنا العربي ومنه الفلسطيني.
ونحن اليوم في زمن إنتصار المقاومة في حرب تموز، نؤكد على نشر ثقافة المقاومة ومواجهة الاحتلال ورفض التبعية، والسعي من أجل وطن عربي متحرّر من كلّ القيود، ونحيّي أولئك الذين صنعوا بالدم والتضحيات الجسام قرابين عطاء على مذبح الحرية والتحرير، نحيّي الشهداء والجرحى والمعتقلين والأسرى من تحرّر منهم ومن ينتظر والى كلّ المقاومين سواء بالبندقية أو بالموقف والكلمة والفكر وإلى كلّ جندي مجهول في عملية تحرير الأرض، وكلّ ذلك يدعو الى كسر القيود والتقاليد البالية وباتجاه التطوّر والتقدّم ورفض الواقع المرير، من خلال ثورة متمردة على كلّ ما هو سائد من تخلّف و قهر اجتماعي واستبداد، وفقر، وحدود مصطنعة، واحتلالات، باتت لا تعدّ ولا تحصى.
وامام كلّ هذه الأوضاع نرى مشاركة فاعلة وانخراطاً حاراً في المواجهة الدائرة في سورية من قبل قوى المقاومة العربية بما فيها الفصائل الفلسطينية وعلى وجه الخصوص الجبهة الشعبية القيادة العامة وبعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وهذا ما جعل قوى المقاومة تحظى بمزيد من الالتفاف الشعبي والتقدير في سورية وخاصة المقاومة بقيادة حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي، حيث لا يميّز بين الشهداء سواء من لبنان او سورية او فلسطين، وهذا ما يترك بصماته على حقيقة المعركة الجارية.
إنّ أمور المنطقة تزداد تعقيداً، تنشأ أحلاف وتضمحل أحلاف، لكن لا شيء يدلّ على أنّ الولايات المتحدة ستتخذ موقفاً يحترم الدروس والعبر التي أفرزتها تجربة الحرب على سورية، حيث يدفع شعب سورية الثمن، ثمناً غالياً من الموت والدمار، وخاصة انّ الإدارة الأميركية لا تريد حسم معركة حلب ضدّ النصرة وشركائها، لأنّ الانتصار في حلب يعني بداية سقوط الغزو و الاعتدال الذي يعوّلون عليه لاستمرار نزيف سورية والسوريين، حيث ترتكب القوى الإرهابية أفظع المجازر في التاريخ، بحق الشعب السوري والعراقي وغيره بدعم من القوى الاستعمارية والامبريالية والرجعية، ولكن لن يفلحواً في إضعاف المقاومة، مهما كانت الأوراق التي يلعبون بها، عسكرية كانت أم أمنية أم سياسية أم حتى مالية، وهم الذين اشتهروا باستخدام المال السياسي والإسلام السياسي أبشع استخدام، وعلى نطاق واسع، ونحن على ثقة بأنّ سورية ستنتصر ويرتفع العلم السوري الوطني فوق كلّ رابية من روابيها، كما انتصرت المقاومة الوطنية اللبنانية، وستنتصر فلسطين ويرتفع العلم الفلسطيني فوق قدسها عاصمة الدولة الفلسطينية.
ختاماً: لا بدّ من توجيه التحية الى كلّ قطرة دم من الشهداء، ساهمت بانتصار المقاومة في تموز والى كلّ قطرة دم من الشهداء انتصرت في قطاع غزة والى كلّ قطرة دم من الشهداء اليوم تسجل صفحات المجد على كلّ شبر من الأراضي العربية، فالمقاومة العربية تبني اليوم من فلسطين الى سورية الى لبنان صرحاً من العزة، ونحن نبارك لأنفسنا بهذا النصر العظيم في الجنوب العربي المقاوم، ونقول في ذكرى الانتصار إنّ الهزيمة ليست قدراً متى توفرت إرادة الصمود والقتال والممانعة، وانّ «إسرئيل» ليست عصية على الإنكسار وهي التي ذاقت مرارة الهزيمة في لبنان، فنحن ننحني تقديراً للمقاومة في لبنان ولأبطال الانتفاضة والمقاومة في فلسطين ولأسرى فلسطين الأبطال، ولأبطال المقاومة في سورية والعراق واليمن، وليبقى خيارنا مقاومة واحدة، مقاومة تبشرنا بهزيمة المحتلين وبعصر عربي جديد آتٍ لا محال.
كاتب سياسي