العلاقات السعودية ـ الأميركية… إلى أين؟

لطالما كانت العلاقات الأميركية ـ السعودية مساراً لنقاشات المراقبين في الآونة الأخيرة، خصوصاً في ظلّ الفتور الذي تشهده علاقات البلدين حالياً، وفقاً لما يراه البعض.

وبينما يستعدّ البيت الأبيض لاستقبال ساكنيه الجدد، سواء كانوا تابعين للحزب الجمهوري بقيادة دونالد ترامب، أو الحزب الديمقراطي بقيادة هيلاري كلينتون، فقد شدّد تقرير نشرته صحيفة «ميدل إيست بريفنغ» الأميركية على ضرورة أن تشرع البلدان في حوار صريح بينهما، في شأن الخلافات التي تتعلق بالقضايا الإقليمية.

تقرير «ميدل إيست بريفنج» استهل بقوله: يقول البعض إن السنوات القليلة الماضية كانت نقطة تحول في علاقات البلدين الحليفين الوثيقة: المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة. والسؤال الآن هو: هل هناك أسباب هيكلية في المسار المستقبلي بين البلدين، التي تحدّدها مصالحهما ووجهات نظرهما، والتي قد تؤدّي إلى إنهاء التوتر بينهما؟

هل هو مجرّد خلل ناجم عن الآراء والسياسات الذاتية في البلدين؟

لتحديد الجواب، أشار التقرير إلى أنه ومن المفيد دراسة ثلاث لحظات خاصةً في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية: «الربيع العربي»، وصعود الإسلام السياسي والإرهاب، والاتفاق النووي الإيراني.

في اللحظات الثلاث، أخذت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة مسارات متباينة.

فحتى في المعركة المشتركة ضدّ تنظيم «داعش»، فقد اختلفت الرياض التي تعرّضت للتهديد بالفعل على يد التنظيم، اختلفت عن واشنطن في شأن الكيفية التي ترى بها هذه المعركة، وكيف تربطها بالوضع الداخلي في كل من سورية والعراق. وحتى في حالة الاتفاق النووي الإيراني، الذي أيدته المملكة العربية السعودية بفتور، يبدو أن البلدين قد اختلفا في السياق العام الذي ينبغي أن توضع فيه هذه الصفقة.

التقرير أضاف أنه في هذه الحالات، حيث تبدو الخلافات «جزئية»، تعكس وجهات نظر المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، تعكس حقيقة أن البلدين تريان الأمور من وجهات نظر مختلفة تماماً.

في حالة التطرف، كانت الأولوية بالنسبة إلى الرياض لمواجهة التوسّع الإيراني من خلال القوة التي يمكن محاربتها. ولكن أصبح واضحاً في ما بعد أنه من دون إيجاد حلّ سياسيّ في كلّ من العراق وسورية، فإن مشاكل التطرّف العنيف لن تذهب بعيداً.

في الواقع، أثبت وضع قضية صعود الجهادية في سياق سياسي في الحالتين، كونه نقطة معقولة للرأي. تجربة العراق تؤيّد هذا الرأي، حيث تم استبدال تنظيم «القاعدة» من قبل تنظيم «داعش»، نتيجة لعدم وجود حلّ سياسي في بغداد.

ومع ذلك، ووفقاً للتقرير، كان يمكن تخفيف النهج السعودي من خلال لعب دور أكثر فاعلية، وواقعية في الجهود الرامية إلى التوصل إلى حلّ سياسي في البلدين.

وقال التقرير إن مساحة المفاوضات بين الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، يمكن أن تكون عبر الاتفاق على العمل معاً من أجل التوصل إلى حلّ سياسي.

الرياض، ومع ذلك، رأت الوضع على أنه لعبة صفرية، في حين رأت واشنطن في تنظيم «داعش» الهدف الأول لتكتيكاتها.

بالنسبة إلى أولئك الذين ينتقدون المملكة العربية السعودية كدولة وهابية، ينبغي أن يكون مفهوماً أن هذا هو ما يبدو عليه الأمر. لا يمكننا إعادة صوغ دولة وفقاً للأفضليات الخاصة بنا. القضية المركزية هي كيفية دمج الثقافة في تنوع من الفسيفساء العالمي، وكيفية مقاومة أي فرض خارجي من قبل هذه الثقافة على العالم الخارجي، أو العكس. نقل الإصلاح الاجتماعي ـ الاقتصادي التدريجي أوروبا من عصور الظلام إلى الحداثة.

«الانفصال» ذاته بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، حدث في حالة المحادثات النووية مع إيران.

بحسب التقرير، لم تتشاور إدارة أوباما مع القوى الإقليمية بشفافية كافية في حين انخرطت في محادثات سرّية مع إيران. كما لم تستجب للمخاوف السعودية المتعلقة بثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011 في مصر. وقبل ذلك، لم تعر إدارة بوش انتباهاً لنصيحة السعودية بعدم غزو العراق.

وذكر التقرير أنه ولفترة وجيزة، كان ما رأيناه بالفعل هو تدهور العلاقات بين الحليفين بسبب كل من التحولات الموضوعية على الأرض، والقرارات الشخصية التي تم التعبير عنها من خلال السياسات. كان هذا التدهور لا مفرّ منه. وكان من الممكن تقليصه من خلال جهود متعمدة من كلا الجانبين.

إذاً، إلى أين يتجه هذا التحالف القديم؟

وقال التقرير إنه، في ما يتعلق بكيف ستتطور الأمور في المملكة العربية السعودية وفي الشرق الأوسط، فإننا نرى بوضوح أن المملكة تتجه لمنطقة مختلفة تماماً من حيث إيراداتها والاقتصاد. تكنولوجيا الزيت الصخري والغاز هي في الواقع تخلق التحول الهيكلي في سوق الطاقة العالمي. كما أنها بطريقة أو بأخرى تضع قيوداً على تسعير الطاقة من خلال مشاركتها المتزايدة في الإمدادات.

في حين أن سعر النفط الخام الآن يوازي ما يقارب نصف ما كان عليه في ربيع عام 1974 بعد احتساب التضخم ، فقد تضاعفت ثلاث مرات احتياجات الحكومة السعودية. في منتصف عام 1974، تأرجحت أسعار النفط حول مستوى 11 دولاراً. الآن يباع النفط الخام بمعدل 7.5 دولار قياساً بالأسعار في عام 1974 .

وأوضح التقرير أن عملية الإصلاح في المملكة كان يجب أن تبدأ في وقت مبكر من الثمانينات، خصوصاً عندما ظهر أن الثورة الإيرانية تمثل تغييراً عميقاً في الخريطة الاستراتيجية في المنطقة. لكنها لم تبدأ. ولم يكن من الضروري انتظار أمير شاب مع رؤية لفعل ما كان ينبغي أن يحدث قبل عقود من ذلك.

ولكن هذا الإصلاح لن يكون له تأثير اجتماعي بعيد المدى، والذي قد يؤدي إلى أحداث يمكن أن تفرض نفسها على صورة التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية.

وعلاوة على ذلك، وبينما أخضعت الأحداث الإقليمية العلاقات بين الولايات المتحدة، والسعودية لأقسى اختبار شهدناه في أي وقت مضى، فإن مفاجآت الشرق الأوسط لم تنته بعد. البعد الأكثر وضوحاً من عملية التحول الإقليمي الذي نراه حالياً هو مسألة الحكم. حيثما كان هناك مشاكل، فإنه لن يكون هناك بنية للحكم، أو سنشهد حكومة مركزية ضعيفة محدودة المدى.

في هذا الإطار، قال التقرير إن حالة سورية أو حتى مصر قد أثبتت بالفعل أن الحكومات المركزية القوية والقمعية ليست حلولاً لقضايا الاستقرار والتنمية. طالما أن الجذور الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للأزمة الإقليمية لا تعالج مقدماً، فإن الاختلالات التي نراها ستستمر، وربما بشكل جيد للغاية ستوجه إلى الشبكات الدينية المتطرفة، والنزاعات الطائفية.

يرى البلدان ـ بحسب التقرير ـ عملية التحول برمّتها بشكلٍ مختلف. تتعرض الولايات المتحدة لخيبة أمل، واحدةً تلو الأخرى، حيث رأت عملية التحول الإقليمي برمّتها من منظور طريقتها الخاصة في التفكير والقيم. أيضاً واجه السعوديون خيبة أمل، لأنهم نظروا إلى العملية من منظور الهاجس الاستراتيجي الخاص بهم حيال التهديد الإيراني.

على جانب الولايات المتحدة، عدم الاتساق يبدو أنه يضع العلاقات بين الرياض وواشنطن أمام اختبارٌ رئيس آخر. من غزو العراق عام 2003، والذي أعقبه تدخل إيران هناك لقتل الأميركيين، ثمّ بحكم الواقع السيطرة على البلاد، وحتى توقيع اتفاق نووي مع إيران، التي تعتبر الولايات المتحدة قوة غير مرغوب فيها في الشرق الأوسط، يمكن للمرء تفقد المسار بين عدد من تعرّجات السياسات الأميركية في الشرق الأوسط.

نظرت الولايات المتحدة إلى مبارك كحليف وثيق، ثم طلبت منه التنحّي. اعتبرت الأسد إصلاحياً، ثم طلبت منه التنحّي قبل أن تغيّر رأيها، وتعمل مع الروس للاحتفاظ به على قمة السلطة في سورية. طوت الصفحة مع القذافي، واعدة ببداية جديدة بعد تسوية قضية تفجير لوكربي، وبعد ذلك قصفت ليبيا حتى سقط القذافي قتيلاً. اعتبرت رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي «الخيار الأفضل لديها»، كما قال نائب الرئيس بايدن، ثم عملت على حمله على التنحّي. وفرضت عقوبات صارمة على إيران بسبب برنامجها النووي، وذلك قبل التوقيع على الاتفاق الذي يسمح لطهران بمواصلة البرنامج النووي نفسه في حالة امتناعها عن اتخاذ الخطوة النهائية نحو صنع القنبلة.

بطبيعة الحال، فإن الولايات المتحدة لديها حساباتها الخاصة لخدمة مصالحها المناسبة. ولكنه سيبقى لغزاً محيراً للكثيرين أن واشنطن يمكن أن تغير اتجاهاتها بهذه السرعة.

التقرير ذكر أنه للأفضل أو للأسوأ، على الولايات المتحدة أن تحدّد بوضوح أين تقف، لا محاولة الحصول على الكعكة وأكلها أيضاً. فالقدرة على التنبؤ في العلاقات الدولية لا يقل أهمية عن الثقة. وعلاوة على ذلك، فإن التغيرات في أي بلد معين تحدث وفقاً لإجراءات من قبل القوى الأصلية، لا وفقاً للتمني في واشنطن، أو في أيّ مكان آخر.

ما هو مطلوب الآن بحسب التقرير، على وجه الاستعجال في الواقع، أن تحدّد الولايات المتحدة لحلفائها في الشرق الأوسط، بأوضح العبارات الممكنة، أين تقف حيال عددٍ من القضايا الإقليمية الملحّة. في حالة المملكة العربية السعودية، فإن لدى الرياض حصتها من خطوات ردّ الفعل، لا بل الأخطاء في بعض الأحيان. يجب أن يبدأ حوار صريح بين الجانبين مباشرة بعد تولّي الإدارة الجديدة في واشنطن مهامها.

وشدّد التقرير على وجوب أن يوضح هذا الحوار الموقف الدقيق للإدارة الجديدة في المسائل الإقليمية الملحة. لا مجال للخداع، أو الكلام المزدوج بين الحلفاء. ينبغي وضع حدود للاختلافات بين البلدين. التحالف لا يعني دائماً وجود وجهات نظر متطابقة. بل هو أيضاً آلية لإدارة الخلافات بطريقة لا تسبب ضرراً للمصالح الرئيسية لكلا الطرفين.

وختم التقرير: العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إما ستتحسّن، أو ستتدهور أكثر. الاضطرابات في المنطقة وأهمية البلدين لا يدعمان أي افتراض أن تبقى هذه العلاقات ثابتة بينما كانت واقفة على رمال متحرّكة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى