نواكشوط والرباط .. التوتر «المنضبط»

لا يمكن إغفال العوامل التاريخية في أي تحليل موضوعي لعلاقات الرباط ونواكشوط، فالموريتانيين مازالوا ينظرون بعين الريبة إلى الجار الشمالي الذي لم يعترف بموريتانيا إلا بعد استقلالها بسنوات، كما أنَّ أدبيات بعض أحزابه و«جهاته العميقة» مازالت ترى في موريتانيا جزءاً من المملكة، وعلى الطرف الآخر، مازال المغرب تتملكه «عدم ثقة» اتجاه الموريتانيين وخصوصاً فيما يتعلق بالموقف من قضية الصحراء الغربية، فالتداخل الشعبي والتاريخي بين الصحراويين والموريتانيين غالباً ما يترجم «ميلاً نفسياً» نحو «لابسي الدراريع» و«لابسات الملاحف».

ومن يتابع بعض وسائل الإعلام المغربية والموريتانية خلال الأيام الماضية يُخيَّل إليه أنَّ التوتر بين نواكشوط والرباط بلغ مداه، وأنَّ الحرب بين البلدين واقعة لا محالة.

حالة شد وجذب وحملات إعلامية غير مسبوقة، رغم أنَّ الجانب الرسمي في البلدين حافظ على هدوءٍ ربما يعكس حقيقةً يجهلها الكثيرون، وهي أنه لا أرضية صلبة لخلاف موريتاني مغربي حقيقي، وأنَّ الاختلاف في وجهات النظر بين البلدين وخاصة قضية الصحراء الغربية، من المستحيل أن يجر الرباط ونواكشوط إلى التمادي أكثر في اللعب بالنار ففي المنطقة من الحرائق مايكفي وحالة التداخل البشري بين البلدين تجعل أي حرب، إعصاراً مدمراً سيعصف بالجميع.

لا يختلف إثنان في أنَّ هناك أزمة صامتة في العلاقات المغربية الموريتانية، غذَّتها عوامل عديدة لعل أبرزها الانفتاح الرسمي الموريتاني على قادة البوليساريو، حيث تتالت استقبالات الرئيس محمد ولد عبد العزيز العلنية لقادتها، إضافة إلى الحضور الرسمي الموريتاني في مراسم تشييع الزعيم التاريخي للجبهة محمد عبد العزيز، ولعل الرباط لم تستطع أن «تبتلع» هذه الخطوات الموريتانية ورأت فيها تجاوزاً للخطوط الحمراء في ملف الصحراء الذي تنظر إليه الرباط، باعتباره الملف الأكثر حساسية و«الترمومتر» الذي تقيس به علاقاتها مع الآخرين.

على الناحية الأخرى، لدى نواكشوط مآخذها، فالرئيس عزيز لن يغفر للمغرب إلغاء زيارتين له هناك بحجة «انشغال الملك»، كما أنَّ احتضان المملكة لخصمه اللدود رجل الأعمال «بوعماتو» وعلاقاتها الاستثنائية مع المعارض المشاكس «ولد الشافعي» كلها أمور يرى فيها الموريتانيين إشارات غير وديَّة على الأقل، هذا إنَّ لم ينظر إليها النظام الموريتاني بوصفها تهديداً مستقبلياً له عبر الاستثمار في معارضيه.

التمثيل المغربي المنخفض في قمة نواكشوط العربية الأخيرة، سكب الكثير من الزيت على النار المشتعلة أصلاً، وقرأت فيه نواكشوط إصراراً مغربياً، هذه إضافة إلى بعض الإشارات غير الوديَّة القادمة من الجار الجنوبي السنغال، والتي قرأها البعض على طريقة «فتش عن المغرب»، نظراً للعلاقات الخاصة والتأثير المغربي الكبير على السنغال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى