معركة حلب… ورسم المعادلات الجديدة
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
بهذه الكلمات للقائدين الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله ألخص مدى استراتيجية وأهمية معركة حلب، كمعركة لا تقرّر وتحسم وجهة الصراع الدائر في سورية وعلى سورية فقط، بل مصير الإقليم بأكمله. فالرئيس بشار الأسد كان قراره حاسماً وقاطعاً بشكل نهائي، بأنّ معركة الحسم في حلب انطلقت ولن تنتهي إلا بالنصر.
أما الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فقد قال إنّ حلب هي طريقنا إلى القدس، وكانت مقولته الشهيرة «لو تطلبت المعركة مع هؤلاء الإرهابيين التكفيريين أن أذهب أنا وكلّ حزب الله إلى سورية فسنذهب».
تختزل معركة حلب كلّ المعادلات والصراعات، وتقرّر وجهة الصراع والتحولات والتحالفات في المنطقة. فهذه المعركة يُراد منها إعادة إنتاج بيئة الدولة السورية وهويتها وموقفها ومكانتها.
حلب ستسقط كلّ الرهانات والمشاريع المشبوهة وستشكل رافعة لمحور عربي إقليمي عالمي مقاوم ورافض للهيمنة والمشاريع الإمبريالية والصهيونية في المنطقة، ونصر حلب لن يمنع تقسيم سورية والعبث بوحدتها الجغرافية فقط، بل سيمنع ولادة سايكس ـ بيكو جديد، بعد مئة عام من سايكس ـ بيكو القديم، لكنّ هذا الجديد يعتمد التقسيمات والتخوم المذهبية والطائفية والثروات، ويُراد منه احتجاز تطور الأمة لمئة عام مقبلة وإطلاق يد دولة الاحتلال الصهيوني والقوى الاستعمارية في المنطقة، لتنهب خيراتها وثرواتها وتحقق نمو ورفاهية اقتصادية لبلدانها على حساب الدماء والثروات العربية.
معركة حلب ستكون فاصلة وحاسمة، لذلك نجد كلّ الأطراف المتصارعة تحشد وتستجمع قوتها كلّها وتزجّ بإمكانياتها وطاقاتها كلّها، فهزيمة أميركا وحلفائها فيها تعني التسليم بنصر الحلف الروسي ـ الإيراني ـ السوري وحتى اليمني، وقد راوغت واشنطن طويلاً وتنصّلت أكثر من مرة من التفاهمات والاتفاقيات مع روسيا، في ما يخصّ مؤتمر جنيف والأطراف التي ستحضره، والأولوية في الحلّ السياسي للحرب على الإرهاب، وليس إسقاط أو رحيل النظام السوري، ووقف الأعمال العدائية وفكّ التشابك ما بين القوى الإرهابية «داعش» و«النصرة» المتغيرة شكلاً إلى «فتح الشام» وما يُسمّى بالمعارضة المعتدلة في الميدان والجغرافيا.
أما اللوبي المُتصهين والمتشدِّد في الإدارة الأميركية ومعه الحلفاء في المنطقة والإقليم تحديداً السعودية وتركيا قبل الاستدارة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل ، فهؤلاء لا يريدون للعدوان على سورية أن يتوقف، بل يريدون أن يستمرّ استنزاف الجيش السوري وإضعاف قدرات سورية إلى أدنى حدّ ممكن وتحويلها إلى دولة فاشلة بلا وزن عربي وإقليمي ودولي.
مَن كان يجري استغلال كلّ هدنة كان يتم التوافق عليها بين روسيا وأميركا من أجل إتاحة الفرصة للجماعات التكفيرية أن تلتقط أنفاسها وتتزوّد بأحدث الأسلحة وضخّ المزيد من الاحتياط البشري الإرهابي عبر الحدود التركية على وجه التحديد. لذلك أعلن القيصر الروسي من قمة «باكو» أن لا وقف للحرب في حلب قبل تحقيق الانتصار، واللافت أنّ إنسانية الولايات المتحدة والمتباكين معها على الأوضاع الإنسانية في حلب، لا تظهر إلا عندما يتقدم الجيش السوري ويضيق الخناق على الجماعات الإرهابية، وقد هاجم الرئيس الأميركي باراك أوباما روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين شخصياً، وقال إنه لا يمكن الوثوق لا بروسيا ولا ببوتين، وهذا يعني أن أميركا ستستمر في دعم الجماعات الإرهابية، ووجدنا كيف توحّدت كلّ الجماعات الإرهابية تحت راية «جبهة النصرة» مزوّدة بأحدث ترسانة السلاح الأميركي والغربي المدفوع والمقبوض ثمنه من المال العربي الخليجي، وقامت بشنّ هجوم شامل على حلب، تحت اسم «حلب أم المعارك» لكي تتمكن من الاستيلاء عليها، لكنّ الهجمات المتتابعة لتلك الجماعات الإرهابية تكسّرت جميعها على أسوار حلب وحصونها، بفضل صمود الجيش السوري وحلفائه من حزب الله والدعم المباشر من القوة الجوية الروسية وقوات النخبة الإيرانية.
يبدو أنّ معركة حلب لن تنتهي سريعاً لكنّ ملامحها بدأت تظهر وتشير إلى أنّ الدولة السورية ستنتصر، ما يمهد لحلّ سياسي في مصلحتها ووحدة أراضيها وفي مصلحة المشروع القومي العربي أيضاً والمكانة التي ستحتلها سورية عربياً وإقليميا ودولياً.
إنّ الاستدارة التركية التي حصلت من الأزمة السورية، بعد قمة بوتين ـ أردوغان في بطرسبرغ واللقاءات التركية ـ الإيرانية في طهران، والتي تعيد تموضع الدور التركي في ما يتعلق باستمرار دعم جبهة «النصرة» حليفها الاستراتيجي ومنفذة أجندتها ومشروعها هناك، وربما يذهب الموقف التركي في إطار التموضع أبعد من ذلك في إطار الاتفاق الروسي ـ التركي ـ الإيراني إلى إقفال الحدود التركية أمام تلك الجماعات الإرهابية وبوصول الموقف التركي إلى مثل هذا الموقف وهذا الخيار، تعني أنّ تركيا باتت تدرك أنّ أميركا تخدعها وأنّ بقاء سورية موحّدة تحت قيادة الرئيس الأسد، من شأنه درء مخاطر إقامة كيان كردي مستقل على طول الحدود السورية ـ العراقية وبعمق الأراضي التركية، مع ما يشكله قيام هذا الكيان من حالة عدم استقرار أمني وسياسي لتركيا ومن خطر على وحدة أراضيها.
نتائج معركة حلب ستكون لها تداعياتها وتأثيراتها التي ستتعدى الجغرافيا السورية إلى الجغرافيا العربية والإقليمية والدولية. فعلى الصعيد السوري ستسقط آخر معاقل أوهام التقسيم، وستكون مدخلاً مهماً نحو استعادة كامل الجغرافيا السورية من إدلب حتى الرقة، وباقي المناطق التي تسيطر عليها الجماعات التكفيرية والإرهابية، كذلك ستسقط حلب مشروع سايكس ـ بيكو بنسخته الجديدة، وأوهام إقامة الإمارة الإخوانية في سورية، بما يعنيه ذلك من أخونة للدولة والسلطة والمجتمع، والأهم أنها ستقضي على الأحلام التركية بإعادة انبعاث الخلافة العثمانية على حساب الدم والجغرافيا العربية وبالذات السورية، وستحتلّ سورية مكانة هامة في التقرير في أوضاع المنطقة والمعادلات والتحالفات التي ستنشأ فيها، وسيتعزّز وجود حلف المقاومة في كامل المنطقة كنهج وثقافة وخيار، وهذا من شأنه أن يجعل المشروع القومي يستعيد عنفوانه وقوته وحضوره، على حساب معسكر أصحاب الهويات المذهبية والطائفية والدينية.
Quds.45 gmail.com