«ميديا الحرب الناعمة» بتفاصيلها المخيفة

جهاد أيوب

يخوض الزميل الباحث والقلق دائماً رفيق نصر الله في كتابه الجديد «ميديا الحرب الناعمة… فنّ السطوة على الرأي العام»، تجربة صعبة في مباشرتها، وسهلة في تناولها، لكون المنتقد والمعالج شريكاً في لعبة الميديا، لا بل هو يصنع بحضوره ولقاءاته ومقالاته ميديا الاتّزان والهدف والوضوح، من دون أن يستخفّ بالمتلقّي.

فتّش الزميل نصر الله عن الحقيقة في أوجاع الميديا، وصارح ذواتنا في فوضاوية حركة الميديا المتعمدة، ونظّف خطواتها حتى البوح الخطير وحتى الرمق الأخير، ورسم معالم خللها من دون إحراج أو مجاملات.

نصر الله في كتابه الصفعة قدّم رسائل تحذيرية لأمّة لم تعد تعرف من هو عدوها ومن هو صديقها. أمة تاهت عن قضاياها في لعبة إعلام تحبّه وإعلام تكرهه وتموّله لأنها تخدّرت بالميديا. بمعنى أوضح، تمكّن نصر الله من وضع النقاط الإعلامية على سطر الميديا التي دخلت الحركة البشرية وتحديداً في طعامها وشرابها وتنفّسها، وهو بدوره دخل الوجع بكلّ تفاصيله وصولاً إلى طرح الخلل وكيفية صناعته ومعالجته. وقد تكون الأخيرة دليل على المسؤولية التي يتحمّلها الزميل نصر الله في إفهامنا دور الإعلام. لذلك طرح أساسيات التخدير الإعلامي، وانتشاره، واستسهال الخوض معه حتى التسطيل وحتى استحمار من فوضى الإعلام المسيّس والطائفي بأن يفكر عنه. لم ينظر نصر الله في كتابه الموجع بل قدّم ما نحن فيه، وما سيصيبنا إذا استمررنا في لعبة الميديا من دون أن ندرك خطورتها، وحماقتنا في الاستخفاف بالتعامل معها.

موقف رفيق نصر الله في كتابه هذا واضح وذكيّ ومتفوّق. واضح في أنه تحدّث عن أمراض نحن نغرق في بحرها إعلامياً، وذكيّ في الطريقة السلسة التي طرحها وأوصلها إلينا، لم ينظّر علينا، ولم يتحدّث بلغة فوقية أو غير مفهومة، ولم يعالج الأمور بنظريات خارج دائرتنا، ولم يخاطبنا بكونه الفاهم ونحن التلاميذ، بل بذكاء الطرح ومعالجة أمور يفهمها جيداً، وكلّنا نعانيها لكنّ البعض يخافها، ويخاف الخوض فيها، لكنه قدّمها بأسلوب «الحدّوتة» والخبرية وشواهدها الواقعية.

نعم، تفوّق نصر الله في كتابه على غيره من المسؤولين في الإعلام العربي لكونه قدّم الحلول. أي تحدّث عن القضية الجرثومة، ولم يصرخ في وديان المجهول ويتركنا لمجهول آخر. وضع السمّ بالسمّ وقال تنبّهوا لهذا وذاك من سموم الإعلام التي مورست علينا وستُمارس لأننا «طنّاش» نضحك على أنفسنا ولا ندرك أننا أصبحنا «مَضْحَكة»، وقد نمارسها لأننا لم نعد نعرف من يمارس بمن، ومن الفاعل ومن المفعول به.

رفيق نصر الله أدرك مكامن الخطر في الإعلام، وسبب جموحه علينا بهذه الطريقة الشرسة، وأشار إلى القصد من تخديرنا، ورفع الصوت عالياً «اللهم أنا بلّغت، وهذه الطريقة التي تنقذنا».

اعتبر الكاتب في تقديم الميديا المضادة بكلّ شوائبها حالة واقعية أضرّت بتقاليدنا وموروثنا وقوميتنا ونضالنا وحقوقنا والإنسان فينا، ملمّحاً إلى أن الطرف المتضرّر لم يتقن لعبة الميديا جيداً. حذّره من غياب الاتقان، وطلب منه التنبّه لأن المقبل مخيف والمقاومة يجب أن تكون شرسة في هذا المجال. إنّ المسألة في رأي الكاتب ليست سهلة، بل هي غاية بالخطورة، وليست صعبة إذا قرّرنا المواجهة من خلال احترام عقولنا.

كتاب «ميديا الحرب الناعمة… فنّ السطوة على الرأي العام» يستحقّ القراءة والتوقّف والتأمل ولملمة صفعاته. هو خطير في عزمه على إيقاع مؤلم لنا، ونشكو منه، ولا نفعل ما يحصّننا. هو جامح بلغة مباشرة إلى صوابية الوجود في خطّ المقاومة والعروبة، هو بكلّ بساطة كتاب يكشف المستور في الميديا، ويشير إلى جراحنا في لعبة تحدّد مصيرنا من جرّاء الميديا، ويصوّب جنوننا المذهبي والفكريّ المخبول بسبب الميديا. وأصرّ أن يشير بوضوح إلى أنّ بعض إعلامنا يعربد بهبل مع ميديا قد تخنقنا من دون دراية بخطورة ما نقوم به وما يصلنا. هو لا يدعونا إلى نسفها بقدر ما يطلب منّا أن نحاربها ببدائل تليق بأمتنا ومشوار نضالنا وحقوقنا التي تسرق كلّ يوم قبل فوات الأوان.

مرة جديدة يصرّ الإعلاميّ رفيق نصر الله أن يكون لسان حالنا وأحوالنا. ومرّة جديدة يدلّ على عوراتنا ويقدّم الستر كي نقف مجدّداً في إعلام يشبهنا ولا يُصنع لنا وعلينا وبنا. بعض إعلامنا يتحمّل مسؤولية خراب الأوطان، والبيوت، والبلاد، والمجتمع، والثقافة، والفنون، والإنسان المنتظر لفسحة أمل يجدها بتلك الميديا المخيفة فيغرق شبابه بكذبة توصله إلى فقدان الهوية والذات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى