هل تنجح خطة ليبرمان للعودة الى «المخترة» و«روابط القرى»؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
بكلمات جابوتنسكي، الأب الروحي للحركة الصهيونية، شرح المتطرف ليبرمان خطته وقال: يجب ان تكون «سلطاناً كريماً وبربرياً» في الوقت نفسه. وليبرمان، هو واحد من القيادات الإسرائيلية التي دعت إلى حل السلطة الفلسطينية وتجاوزها، وفرض القانون الإسرائيلي على مناطق سي التي تشكل ستين في المئة من مساحة الضفة الغربية. وهو صاحب فكرة تبادل ألأراضي للحفاظ على نقاء الدولة اليهودية، وكذلك، هو أيضاً صاحب فكرة السلام الإقليمي.
خطّة العصا والجزرة، التي يقترحها ليبرمان للتعامل مع الأوضاع في الضفة الغربية، والتي نشأت ما بعد إنتفاضة القدس، في تشرين أول من العام الماضي، والمرتكزة إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية لمناطق ساخنة وباردة، الباردة الملوّنة باللّون الأخضر، التي لم يخرج منها شبان لتنفيذ عمليات ضد جيش الإحتلال وشرطته ومستوطنيه، ولم تشارك في الهبّة الشعبية، تثاب وتقدّم لها التسهيلات الإقتصادية وزيادة تصاريح العمل والمناطق الصناعية والملاعب الرياضية وتوسيع المخططات الهيكلية الخ… والساخنة الملوّنة باللّون الأحمر، التي خرج منها شهداء نفذوا عمليات ضدّ الاحتلال، أو شاركت بفعالية في الهبّة الشعبية أو إنتفاضة القدس، تحاسب بالعقوبات الجماعية والإغلاق وسحب التصاريح وهدم المنازل، وفرض قيود مشدّدة على حرية الحركة والتنقل. يُضاف إلى ذلك، التشدّد في قضايا هدم المنازل غير المرخصة، والتشبّث برفض تسليم جثامين الشهداء المحتجزة.
هذه الخطة القائمة أيضاً، على التعامل والتخاطب مباشرة مع الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية، من قبل الإدارة المدنية، بمعزل عن السلطة الفلسطينية، ومن خلال وحدة إعلام خاصة أنشئت لهذا الغرض، وضع تحت تصرفها موقع الكتروني ناطق بالعربية، بتكلفة عشرة ملايين شيكل، يهدف الى خلق وبناء قاعدة محلية تتفق مصالحها مع مصالح «اسرائيل»، وخارج نطاق سيطرة القيادة السياسية للسلطة والمنظمة… ولهذه الغاية، هناك الكثير من الشخصيات والشركات ومنظمات المجتمع المدني على صلة وثيقة مع الإدارة المدنية والإحتلال… وهناك أموال تضخّ بمسميات مختلفة، لصالح افراد ومؤسسات جاهزة، متجاوزة المنظمة والسلطة. وكلّ ذلك يجري بغرض خلق قيادة بديلة في الضفة الغربية، والعودة بواقع الشعب الفلسطيني الى عهد «المخاتير».
وحتى نجيب على السؤال: هل ينجح ليبرمان بخطته للعودة بأوضاع الضفة الغربية والشعب الفلسطيني إلى عهد «المخترة» و«روابط القرى» البائدة؟ ثمّة حاجة بعيدة عن لغة «الفنتازيا» واللّغو الفارغ والجمل الثورية الكبيرة غير المترجمة إلى فعل في أرض الواقع، علينا أن ننطلق من قراءة للواقع الملموس، لكي نحلل هذا الواقع ونبني عليه خطة وإستراتيجية للمواجهة تكون عملية، وليس مجرد مجموعة شعارات وبيانات وفعاليات موسمية باهتة، فأنا لست من المعتقدين، في ظلّ رؤيتي لفعاليات التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام، وفي مقدّمتهم الأسير بلال الكايد، تلك الفعاليات التي لم ترتق إلى مستوى الحدث لا شعبياً ولا رسمياً، حتى أنّ «الحركة الأسيرة» غير متضامنة مع نفسها، وبما يعكس حالة الضعف والتردّي الفلسطيني، غير المسبوقة، بأنّ مواجهة مشروع ليبرمان أو القضاء عليه سيتمّ من خلال إطلاق البيانات والتصريحات النارية، كما هو حال ردّ أجنحة الفصائل العسكرية لفصائل المقاومة، عندما يستهدف الإحتلال مقاوميها بالإغتيال: الردود المزلزلة والمدوية ألتي لم تأت بعد، والمؤجلة إلى أجل مسمى، كما هو حال قضية القدس، وتبقى في الإطار النظري والشعاري فقط… ما بين إسقاط مشروع «روابط القرى» العميلة في 78 – 79 ، والتصدي ومواجهة ولجم وإسقاط مشروع ليبرمان لبعث وإعادة القديم بنسخة أسوأ، جرى في النهر ألكثير من المياه، وحدث الكثير من المتغيرات والتحولات والتطورات، فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، فالظروف الذاتية والموضوعية تبدلت كثيراً على نحو مجاف وبشكل كبير، وطالت المنظمة والفصائل الوطنية بمختلف تسمياتها… فالمنظمة والفصائل تعرضت لتغيرات كبيرة في بنيتها ووظيفتها ودورها ومهامها، وحتى برامجها بهتت، وحواملها التنظيمية لم تعد موجودة، وأنيابها مقلّمة… والسلطة القائمة الآن «تغوّلت» على المنظمة على صعيد الدور والتمويل والصلاحيات، والأوضاع الآن مختلفة كلياً عمّا كانت عليه في فترة «روابط القرى»، حيث كانت الحركة الوطنية متماسكة وموحدة في إطار جامع هو «منظمة التحرير» كممثل شرعي ووحيد متفق عليه فلسطينياً وعربياً واقليمياً ودولياً. وكان هناك صندوق قومي موحد تتموّل منه الفصائل والقوى الفلسطينية، وإنْ كان مهيمناً عليه من قبل الفصيل المتنفّذ. وكذلك الأنظمة العربية، كانت تقدّم الدعم المالي للفصائل والأحزاب، حتى في الدول العربية، كان يتمّ حسم أو إقتطاع جزء من رواتب الفلسطينيين العاملين فيها، لصالح الصندوق القومي الفلسطيني. ولم تكن هناك، في تلك الفترة، منظمات غير حكومية تتغذى على المال الدولي المشروط سياسياً واقتصادياً، بل كانت أطر شعبية وجماهيرية امتداد للفصائل ومنظمة التحرير، عمّالية، طلابية، نسوية، إعلامية وغيرها، تحمل البرامج نفسها والمشروع ذاته، وتكتسب شرعيتها من المنظمة وفصائلها.
وكانت تلك الفترة، فترة مدّ وطني وثوري، والفصائل لها زخمها وحضورها القوي بين الجماهير. وبوحدتها ونضالاتها وتضحياتها أسقطت مشروع «روابط القرى» العميلة.
أليوم، ألصورة فيها الكثير من السوداوية، وإنْ كانت لا تخلو من بقع مضيئة، سلطة لا يوجد إجماع عليها، ولا تحظى بثقة كبيرة في الشارع الفلسطيني، وهناك من يوجه لها الإتهامات بأنها تغلّب مصالحها الخاصة على مصالح الشعب والوطن، وبأنها مشروع إستثماري ينتفع منه العديد من المتنفذين والدوائر المحيطة بهم، وكذلك حال منظمة التحرير الفلسطينية، تواجه تحديات عدم الإجماع على شرعيتها وطرح البديل من قبل «حماس»، والكثير من الفصائل الفلسطينية بهت دورها وفعلها وباتت مصابة بـ«الكساح»… يضاف الى ذلك، منظومة واسعة من الفساد الممأسس وفلتان بكلّ أشكاله وتجلياته، وتفكيك للبنية المجتمعية والوطنية لصالح الجهوية والعشائرية، وما يجري في تشكيل القوائم لإنتخابات المجالس البلدية والمحلية مؤشر ودلالة على ذلك.
والحالة العربية التي يستغلها ليبرمان لطرح مشروعه، ليست بأفضل حال، بل هي أكثر إنهياراً وضعفاً من الحالة الفلسطينية، فحروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية والهموم الدخلية، غيّبت القضية الفلسطينية، ولم تعد لا بوصلة العرب ولا قضيتهم المركزية، بل أنّ العديد من الدول العربية، في سبيل الدفاع عن مصالحها وعروشها، تتفق مع ليبرمان في ما يطرحه. وكذلك، الإرادة الدولية معطلة وغير قادرة على فرض حلّ سياسي على حكومة الاحتلال، ولجم جرائمه وممارساته القمعية والإذلالية بحق الشعب الفلسطيني.
كلّ هذا لا يعني أنّ ليبرمان سينجح في فرض مشروعه، الذي هو مشروع بينت وايلي دهان وغيرهما الكثير من مركبات اليمين المتطرف في هذه الحكومة المغرقة في العنصرية والتطرف.
الشعب الفلسطيني قادر على تجاوز محنته وضرب وإسقاط المشاريع المستهدفة هويته ووجوده الوطني، وكينونته الوحدوية الجامعة، لكن هذا يحتاج من القيادة أن ترتقي إلى مستوى الفعل والتحدي، والتعبير عن إرادة الجماهير الشعبية، الجماهير التي ضحّت وما زالت تضحّي، وأن تلتفت، تلك القيادة، إلى شعبها وجماهيرها وشبابها، وأن تتعاطى معها على أنها شريك في القيادة والقرار، وليس بلغة المصالح والاستخدام خدمة لأجنداتها وأهدافها الخاصة، فالجماهير، وحتى الشرائح والفئات الاجتماعية والاقتصادية من رجال أعمال وتجار، المرتبطة مصالحهم بالعلاقة مع الاحتلال، عندما شعرت بمدى الخطورة على المشروع الوطني ووحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني، غلّبت المصالح الوطنية على مصالحها الخاصة، ورفضت «مشروع ليبرمان» لخلق جسم بديل للمنظمة، ودعت إلى الإلتفاف حولها، ولذلك، على السلطة الفلسطينية أن تغادر خانة التردّد وعقدة «الإرتعاش» السياسي المستديم في التعامل مع المحتلّ، لكي تدافع أولاً عن المشروع الوطني الفلسطيني، والدفاع عن مصالحها ثانياً، لأنّ إستمرارها في نهج التردّد والتجريب والرهانات الخاسرة، سيدفع بالشعب الفلسطيني إلى التمرّد عليها.
سياسة العصا والجزرة أو الترغيب والترهيب، التي يطرحها ليبرمان، هدفها واضح لا لبس فيه، وهو السعي لفرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته الوطنية، وحتى ننجح في إسقاط «مشروع ليبرمان» للعودة بالوضع في الضفة الغربية إلى فترة خلق البدائل من «مخاتير» و«روابط قرى» عميلة، فعلينا مواجهة هذه السياسة بموقف فلسطيني شعبي ورسمي فلسطيني موحد وملتحم.
وحتى لا يصل عدد مستوطني «غوش عتصيون» إلى نصف مليون مستوطن وحتى لا ينجح الإحتلال في تهويد القدس وطمس طابعها العربي الفلسطيني، مطلوب من الجميع، السلطة الفلسطينية والقوى بكلّ ألوان طيفها السياسي، والمنظّمة والمجتمع الفلسطيني، جماهير شعبية ومؤسسات مجتمعية وشعبية ومدنية، وكذلك بالذات، الذين يتوقع أن تعرض عليهم الجزرة، الارتقاء إلى مستوى التحديات والتضحيات التي يقدّمها الشعب يومياً، حتى لا يندم الجميع بعد فوات الأوان…
Quds.45 gmail.com