خالد مشعل مَنْ أحق بالتحية محمد ضيف أم أمير قطر؟
ناصر قنديل
– الملحمة الفلسطينية في غزة، واحدة من حروب التاريخ النادرة التي غيّرت قواعد الحرب، والتي سيعكف مفكرو التاريخ العسكري ومدوّنوه على استخلاص دروسها، هي واحدة من الملاحم النادرة التي تخطّها الشعوب ومقاوماتها، ولأنّ حركة حماس هي الحركة الأوسع تمثيلاً ونشاطاً في غزة وفي صفوف المقاومة، ولأنّ محور الجزء الرئيسي من القتال كانت عنوانه كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وفي المقدمة الثبات الأسطوري للقائد محمد ضيف وعبقريته وعبقرية وشجاعة رفاقه في قيادة القسام، ولأنّ خالد مشعل هو رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فنقاش خطابه وحده بالمعنى النقدي يمكن أن يتسقرئ مستوى الصلة بين أداء القيادة السياسية الفلسطينية لحقبة تاريخية معينة من جهة، وتضحيات الشعب وإبداعات المقاومين من جهة مقابلة.
– في قراءة الدروس والاستنتاجات عن الحرب، بدا أنّ مشعل ومِن ورائه القيادة السياسية لحماس بعيدين كلّ البعد من حقائق الحرب الجديدة، فقد أعدت «إسرائيل» لحربها ثماني سنوات وسط بيئة عربية نموذجية من التفكك والضياع والحروب، وبيئة دولية نموذجية من الابتعاد من هموم فلسطين وشعبها، بينما أعدّ الفلسطينيون لحربهم وسط حصار أشدّ قسوة وانشغالات وانقسامات، والحصيلة كانت عسكرياً لعبقرية الترف «الإسرائيلي» هي القبة الحديدية وتزويد لواء جولاني بأجهزة تعقب واتصال فردية معقدة سُمّيت دروس حرب تموز 2006، بينما كانت منجزات عبقرية حاصل العرق والتعب والجدّ والجهد الفلسطيني هي حرب الأنفاق، كما مصانع الصواريخ، والتحكّم بمنصّات إطلاقها خارج نطاق سيطرة سلاح الجو «الإسرائيلي»، ووضع خطة لتهجير مستوطنات جوار غزة وسكانها السبعين ألفاً ليكونوا القنبلة الموقوتة لانهيار الجبهة الداخلية، وخطط مشابهة لاستهداف ألوية النخبة لحروب البرّ عبر الأنفاق واصطياد قادتها لوضعها خارج الحرب، وهذا كله طبعاً ليس في بال مشعل، بل في باله شيء واحد أنّ المفاوضات كانت معقدة وأنّ الأميركيين اتصلوا بقطر وتركيا لطلب الاتصال بقادة حماس.
– في جديد الحرب وهو إدارة المقاومة لحرب استنزاف واستدراج الاحتلال إليها، وإثبات قدرة قوة غير نظامية ومقاومة على تحمّل تبعات حرب استنزاف، وهو فتح عسكري غير مسبوق كان مشعل في غيبوبة عما يجري، والأهمّ أنّ مفاجأة العدو بهذا التحوّل الجديد يبدو أنها فاجأت مشعل نفسه.
– في السياسة وما بعد الحرب، مشعل يعلن النصر وهو محق، باعتبار «إسرائيل» هُزمت، وهذا صحّ مئة في المئة وعشرة على عشرة، لكن القائد السياسي الأول للمقاومة المنتصرة يعلم، أنّ النصر هو سلوك المنتصر، وإلا نجح المهزوم بسلوكه كمنتصر أن يفرض معادلته العكسية، ومثلما سمعنا مشعل يعيد في شرح الحرب خطابه عام 2012 عن قيادة «إسرائيلية» تكذب على شعبها وعن تضحيات شعب فلسطين وعن بطولات المقاومين، وكأن لا فرق بين الحربين، سمعنا منه هذه المرة تخصيصاً غاب عام 2012 لمعبر رفح وحيويته فلسطينياً لترجمة النصر، والسبب الوحيد هو التغيير الذي شهدته مصر المعفاة في زمن الإخوان المسلمين من مسؤوليتها القومية والإسلامية تجاه غزة، والمطالبة لأنهم رحلوا عن الحكم بتسديد فواتير ترحيلهم لحساب فلسطين، ولأنّ أيّ عربي لا بل أيّ إنسان سيقف مع ضرورة الإسراع بفتح معبر رفح، فالطبيعي أن نكون مع مشعل 2014 ولسنا مع مشعل 2012، لكن ماذا لو تحكّم «الإسرائيلي» بتطبيق فهمه لفتح المعابر وبقيت المماطلة بفتح معبر رفح، أين هي رؤية القيادة لكيفية ممارسة سلوك المنتصر؟
– ترجمة النصر كما كانت عودة النازحين صبيحة الرابع عشر من آب 2006 إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم لفرض الأمر الواقع، هي فلسطينياً بقرار أحادي يترجم فك الحصار كنتيجة للحرب، من خلال قرار ترميم وتشغيل المرفأ والمطار، كنا ننتظر أن نسمع مشعل يقول: لقد قرّرنا استدراج عروض لترميم وتشغيل المرفأ والمطار، أو لكي يستحق أردوغان «المنشغل بانتخاباته وعلى رغم ذلك وجد وقتاً لفلسطين» التحية المميّزة لروحه البطولية من مشعل، أن يعلن مثلاً أنه تبلّغ من أردوغان بعد الخجل من دول أميركا اللاتينية التي أقفلت السفارات «الإسرائيلية» وطردت السفراء، قرار التشبّه بهذه الدول التي فاقت نخوتها بطولة «المنشغل» الذي بقي العلم «الإسرائيلي» يرفرف في عاصمته، فأبلغ لمشعل اعتذاراً من دماء الشهداء وقراراً متأخراً بالسير على طريق فنزويلا والبرزايل وسواهما، كما قرّر التعويض عن خذلانه أن تكون شركات الطيران والسفن التركية أول من يشغّل المطار والمرفأ في غزة، وأن تكون شركة المقاولات التي قام أمير قطر «الشجاع» بتمويل كلفتها اللازمة وهي من سيُعيد تأهيل وتشغيل المرفأ والمطار، ليصير كلام مشعل بعيداً من تسديد فواتير شخصية او حزبية لعاصمتين تستقبلان الوفود «الإسرائيلية» وتقيم في كلّ منهما ممثلية لها وظيفة ودور لحساب تل أبيب.
– ليس المطلوب من مشعل أن يشكر إيران، وهي لا تطلب شكره، لكن أن يسخف موقف إيران الداعم للمقاومة بكلّ ما لديها ويجحد بتقديماتها ليقول شكراً لأنهم اتصلوا متضامنين؟ عيب يا أبا الوليد والله عيب، وحسناً فعل أنه لم يكمل نعم شكره لتطاول سورية وحزب الله بهذه الطريقة المشينة.
– سؤال بريء: من هو الأحقّ بالشكر والتحية على المستوى الشخصي وعلى المستوى الوطني، القائد المقاوم محمد ضيف أم أمير قطر أيها الأمير خالد أبو الوليد؟
– شكراً لـ«الميادين» باسم مقاومي غزة وشعبها نتبلّغها كلّ يوم، لأنها كانت بحق طيلة أيام العدوان والحرب صوت فلسطين ونبض المقاومة، ونالت فيها حماس وقادتها وكوادرها ومقاتلوها ما يشرّف «الميادين»، بينما جحود مشعل وحصره الشكر بـ»الجزيرة» يكشفان عن أيّ مستوى من القادة نتحدث، وعن الفراق التاريخي بين الشعب ومقاومته من جهة وبين قيادته السياسية من جهة أخرى، الجزيرة التي شكرها مشعل هي التي تسدّد فواتير إقامته في الدوحة، لأنّ الخارجية القطرية لا تتجرّأ على قيده ضيفاً في قوائمها، فدوّنته ضيفاً على قناة «الجزيرة».
– شكراً خالد مشعل لأنك أثبتّ لنا أننا لم نكن على خطأ عندما قلنا إنّ موقفك من سورية هو خيار بالخروج من فلسطين ومقاومتها، وإلا كيف تحصر تنقلاتك بين العواصم التي تستضيف العلم «الإسرائيلي»؟ أجبنا مرة وسنصمت أبداً.