بالبندقية فقط تتحرّر الأرض
ميسم حمزة
لا يمكن ان نتحدث عن العروبة، او الإسلام، من دون التحدث عن المسجد الأقصى، الذي يواجه القضم لتغيير معالمه من أجل تهويده وبناء هيكل سليمان المزعوم، في ظلّ الصمت الرسمي العربي وانشغال العرب بالتجاذب والفتن، لا سيما انّ المجتمعات العربية اليوم أصبحت محكومة بالتناقضات والانقسامات التي نتجت عما يسمّى «الربيع العربي» ومشروعه الشرق أوسطي الجديد الهادف لإلهاء العرب عن قضيتهم المركزية فلسطين لمنح الصهيوني أمن كيانه وفرصته الذهبية لتهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية.
ولا يمكن ان نتحدث عن وضع الأمة، من دون التوقف عند جريمة إحراق المسجد الأقصى، التي حفرت في الأذهان والتاريخ ذكرى أليمة، وتركت وصمة عار لن تغسلها سوى مقاومة هذا الاحتلال بكلّ السبل.
ففي 21/8/1969 قام الأسترالي اليهودي دينيس مايكل بإشعال النيران في المسجد الأقصى، فأتت ألسنة اللهب المتصاعدة على أثاث المسجد وجدرانه ومنبر صلاح الدين الأيوبي، ذلك المنبر التاريخي الذي أعدّه القائد صلاح الدين لإلقاء خطبه بعد انتصاره وتحريره لبيت المقدس، كما أتت النيران الملتهبة على مسجد عمر بن الخطاب، ومحراب زكريا، ومقام الأربعين، وثلاثة أروقة ممتدّة من الجنوب شمالًا داخل المسجد الأقصى، ولم تكن نتيجة هذا الاعتداء سوى اتهام الأخير بالجنون التوصيف الذي استخدم لعدم محاسبته على الأفعال الإجرامية.
فكانت الإدانات والاستنكارات سيدة الموقف في ذاك الوقت فسأل صحافي «إسرائيلي» رئيسة الوزراء الصهيونية السابقة غولدا مائير عن أسوأ يوم في حياتها فأجابت بعد تفكير عميق: «أسوأ يوم في حياتي هو يوم إحراق المسجد الأقصى، فعندما أحرقنا المسجد الأقصى لم أنم طيلة الليل وتوقعت أنّ العرب سيزحفون من كلّ حدب وصوب نحو إسرائيل وعند بزوغ الصباح، علمت وأيقنت أننا أمام أمة نائمة»، فاستغرب الصحافي هذا الجواب، وسألها عن أسعد يوم في حياتها فأجابت فوراً وبدون تردّد: «أسعد يوم في حياتي هو اليوم الذي لم يزد فيه ردّ فعل العرب على حادثة إحراق المسجد الأقصى عن التنديد، حيث كنت أتوقع أنّ هذا الحادث هو نهاية إسرائيل»، ومنذ ذلك الوقت عرف اليهود أنه لا خطوط حمر عند العرب… فاستباحوا كلّ شيء ليس فقط في فلسطين بل في كلّ الوطن العربي.
الا انّ الرئيس المصري جمال عبد الناصر حينها وجه رسالة الى القوات المسلحة عبر الفريق اول محمد فوزي وزير الحربية المصربية بالغة الأسى وشديدة اللهجة قال له فيها: إنّ العدو لن يتأثر باللوم أو الاستنكار ولن يتزحزح قيد أنملة عن المواقع التي هو فيها لمجرد قولنا بأنه أعجز من مسؤولياتها ولن يتوقف دقيقة لكي يستمع الى صوت أيّ جهة تطلب التحقيق والعدل… إنني أريد أن يتدبّر رجالنا من ضباط وجنود القوات المسلحة مشاعر اليومين الأخيرين وان يتمثلوا معانيها وان يصلوا وجدانهم وضمائرهم بوجدان أمتهم وضميرها وان يعرفوا إلى أعماق الأعماق أنهم يحملون مسؤولية وأمانة لم يحملها جند منذ نزلت رسالات السماء هدياً للأرض ورحمة… ولسوف تعود جيوشنا إلى رحاب المسجد الأقصى ولسوف تعود القدس كما كانت قبل عصر الاستعمار الذي بسط سيطرته عليها منذ قرون حتى أسلمها لهؤلاء اللاعبين بالنار…
وهذه الرسالة وانْ حملت شيئاً فهي تحمل مضامين العقيدة القتالية للقوات المصرية التي نتمنى ان تستعيد دورها ليكون هدفها الأول والأساس رفض التطبيع وتحرير فلسطين ومقدساتها كما فعلت مع صلاح الدين الأيوبي.
وتأتي الذكرى هذا العام فى وقت تشهد فيه مدينة القدس المحتلة ومحيطها أعمال حفر وتنقيب فى محيط المسجد الأقصى لبناء «هيكل سليمان» المزعوم، وتنامي ظاهرة الاستيطان بالمدينة لتغيير طبيعتها على حساب الشعب الفلسطيني، في ظلّ غياب الاهتمام الرسمي وغياب المتابعة الإعلامية حيث غيّبت هذه القضية عن الإعلام بسبب انشغال تلك الوسائل بنقل أحداث الخريف العربي المفتعل في منطقتنا العربية.
وهذه الذكرى بالنسبة لنا ليست مجرد طقوس حزينة تؤدّى كلّ سنة، بل هي مراجعة للمهمات في نصرة قضية، فلا سبيل الى مواجهة الكيان الصهيوني الا بمجهود قومي مقاوم شامل يكون فيه الشعب الفلسطيني في طليعة التصدّي والمقاومة من اجل التحرير، ولن يتحقق ذلك الا بالتضامن والتكاتف ووحدة النضال والكفاح ضمن رؤية وطنية حول القضية الأساس وهي تحرير الأرض من هذا الكيان الغاصب الذي يحاول تضييع الحق الفلسطيني بالأكاذيب والأحلام في ظلّ التهاون والتخاذل العربي والانشغال بالمشروع الشرق أوسطي الجديد.
وهذا يتطلب ان يتوحد الفلسطينيون على برنامج وطني مضمونه التمسك بالبندقية لتحرير ما اغتصب من حقوق لأنّ ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الصهيوني المغتصب للأرض والحقوق.