جماهير صنعاء أسكتت الأمراء…
ناديا شحادة
ما زالت التكهنات والتساؤلات مستمرة عن مصير الحرب، التي بدأتها السعودية في آذار عام 2015 ضدّ الشعب اليمني، بذريعة إعادة الشرعية، وأدت إلى تدمير البنى التحتية وقتل العديد من المدنيين، الذين يمثل الأطفال 60 بالمئة منهم، حسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة نشر في أيار من العام الحالي. ومع انتهاك السعودية كل الفرص المتاحة من أجل إحلال السلام في اليمن، وبدافع من الشرعية الدستورية التي يستمدها المجلس الرئاسي اليمني من الشعب، خرجت تظاهرة شعبية غير مسبوقة تأييدا للمجلس السياسي الأعلى في 20 آب، وامتلأ «ميدان السبعين» والشوارع المحيطة بالعاصمة صنعاء بالحشود المليونية، وتكاتفت العديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية، إلى جانب الحراك الجنوبي، واتحاد نساء اليمن، وعلماء البلد ووجهاء القبائل، في هذه التظاهرة الحاشدة، معبرين عن تأييدهم للمجلس السياسي الأعلى في اليمن، في أداء مهامه الدستورية كسلطة تستمد شرعيتها من الشعب اليمني وحده، في مشهد تاريخي وإستثنائي يوحي بقدرة الشعب على الالتحام، رغم الظروف التي تواجهه. هذه المشاهد، كانت رسالة إلى العالم بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، عبّر فيها الشعب اليمني عن إرادته الحرة، وتمسكه بحقه الشرعي وبتحديد خياراته السياسة، ورفضه المشاريع الخارجية، وأطاح بالذرائع التي أشاعها تحالف العدوان السعودي، الذي يتذرع بدعم ما يسميه «الرئيس الشرعي والحكومة الشرعية».
فالتطورات التي يشهدها اليمن تسير عكس ما تتمنى السعودية، فمن الناحية العسكرية، صنعاء وغيرها من المناطق اليمنية ما زالت تحت سيطرة حركة «انصار الله» و«المؤتمر الشعبي» و«اللجان الشعبية». والمعارك لم تعد محصورة في الجغرافيا اليمنية، بل إمتدّت لتطال أراضي المملكة، حيث أعلنت وزارة الدفاع اليمنية عن مقتل عشرة جنود سعوديين وتدمير آليات عسكرية في عملية للجيش اليمني. واستهدفت «اللجان» موقع المعزاب في جيزان، إضافة إلى قصف مواقع في نجران. والتحالف السعودي فشل في حسم الحرب لصالحه بعد 17 شهرا من القصف، وضاعف من خسائره السياسية والعسكرية، وتراجع الدعم الدولي له، فإعلان منظمة «اطباء بلا حدود» وقف عملياتها الإنسانية في اليمن، إحتجاجاً على قصف طائرات «الحزم» لمشافيها وقتل أفراد من وطاقهما، وإنسحاب المستشارين الأميركيين، الذين كانوا ينسقون في ميدان القتال مع القوات والطائرات السعودية في جبهات القتال، جميعها مؤشرات تدل فشل السعودية عسكرياً في اليمن.
أما سياسياً، فبعد فشل المفاوضات اليمنية المنعقدة في الكويت، بين الوفد الوطني المتمثل في حركة «أنصار الله» وحليفه «المؤتمر الشعبي»، ووفد الرئيس الهارب عبد ربه منصور هادي، والتي كانت الرياض تسعى من خلالها لتحقيق مكسب سياسي بنزع سلاح حركة «أنصار الله»، ثم التفاوض على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما رفضه الوفد الوطني، أعلن الوفد الوطني عن تشكيل مجلس رئاسي في اليمن، الأمر الذي شكل صفعة قاسية على وجه السياسة السعودية، فالرياض تسعى جاهدة لعدم الاعتراف بهذا المجلس. وفي هذه الأثناء، دخلت روسيا على خط الأزمة اليمنية، ودعمت بقوة المجلس الرئاسي اليمني، حيث أعلن القائم بأعمال السفارة الروسية بصنعاء، اوليغ دريموف، تأييد بلاده تشكيل المجلس السياسي الأعلى في اليمن واصفا هذه الخطوة بالصائبة.
في المجمل، إن كل ما سلف من معطيات، هو نجاح واضح للشعب اليمني بوجه عدوان جائر اعتمد القوة والتدمير أسلوبا لإعادة شخص هارب، ترك بلاده ولجأ يستجدي السلطة من الجار الظالم لليمن، هذا الجار الذي أدخل نفسه بمستنقع يصعب الخروج منه إلا بالاعتراف بالهزيمة في شتى المجالات. وستكون توابع الاعتراف أعظم من الهزيمة ذاتها، لذلك، نجد العناد سيد الموقف في اليمن، رغم أن الواقع يثبت أن في اليمن شعب هزم أعتى التقنيات العسكرية بخنجر وصمود، لتتأكد مقولة بأن الشعب أقوى من الطغاة.