الأكراد والسعوديون وسوء التدبير
ناصر قنديل
– يقدّم الأتراك نموذجاً لفرص التموضع التي تتيحها متغيّرات الحرب في سورية، وتفاوت النتائج على ضوء كيفية التعامل معها، فتركيا التي تقدّمت صفوف المحاربين، ووضعت جغرافيتها وأحلامها التاريخية في خدمة هذه الحرب، وربطت مصير مستقبل نظامها الحاكم ومكانتها الإقليمية بنتائج الحرب، تمكّنت من التموضع إلى ضفة جديدة في هذه الحرب تضع أولوياتها ومصالحها في مكانة تتقدّم على العناد والكيد والأوهام، وبدون أن تتكلّم قالت للأميركيين ولسواهم أنّ أحداً لا يستطيع المزايدة عليها بحجم الأثمان المدفوعة لحساب هذه الحرب، ولا بحجم الاستعداد بعيداً، وأنها عندما واجهت الأخطار ودفعت الأثمان لم تجد أحداً بجانبها ووقفت وحيدة، ولذلك لا يملك أحد فرصة لومها، وهي تذهب للبحث عن مصالحها، وها هي تحدّدها بعد حملة تنسيق سياسي وأمني مع موسكو وطهران، بمنع استكمال إنجاز الشريط الكردي الحدودي، وإلزام وحدات الحماية الكردية بالعودة إلى شرق الفرات، بتغطية أميركية أوهمت الوحدات الكردية بتوفير الغطاء اللازم لمشروعها بربط المناطق التي يتواجد فيها الأكراد عسكرياً، وإذ بالغطاء متوفر فقط لاستفزاز الجيش السوري، وليس للتمرّد على القرار التركي.
– تركيا التي ظهرت في حال تسلّم وتسليم مع داعش في معركة جرابلس، قالت علناً إنّ قضيتها هي منع التموضع الكردي غرب نهر الفرات، وهي تعلم أنها تمنح مسمّيات الائتلاف المعارض وجيشه الحرّ فرصة الظهور بموقع منتصر يحتاجانه، وتمنحهما فرصة الانزياح من جبهات حلب وريفها وإدلب وريفها، حيث المعارك بين الجيش السوري وحلفائه مع جبهة النصرة، لتقاتل بهما كواجهة لمواصلة التسلّم والتسليم مع داعش من جهة، وإقصاء الوحدات الكردية غرباً حتى القامشلي وعامودا من جهة أخرى، وبواسطة هذه الجغرافيا التي سيتموضع فيها عنوان المعارضة سيكون حاضراً في جغرافيا تحت الإبط التركية، بعيداً بالتدريج عن النفوذ السعودي في لحظة لم يعُد فيها التطابق قائماً بين الموقفين التركي والسعودي، تجاه سورية، سواء لجهة التنسيق مع موسكو وطهران، أو لجهة أولوية الهدف، حيث السعودية لا تمانع بتشظي سورية في الفوضى طالما لا تعويم لشرعية دولية لحكم على رأسه الرئيس بشار الأسد، ولها في جغرافية سورية أتباع، وشركاء وحلفاء ولو كانوا من تنظيم القاعدة، مقابل أولوية تركية تدرك أنّ طريق التخلص من الشريط الكردي الحدودي هو التشارك مع روسيا وإيران في التخلّص من وجود كانتونات في سورية، إمارة للنصرة وخلافة لداعش، وقبول لملمة شظايا الأطراف السورية في مشروع الدولة الموحّدة، تحت عنوان صيغة حكومة في ظلّ الرئيس السوري، وتقديم وعد انتخابي بضمانات دولية للمعارضة.
– التموضع التركي الجديد، يقول إنّ بمستطاع التنازل أن لا يبدو فاضحاً، ويصير هزيمة مدوّية، وأنّ انتصارات شكلية يمكن أن تعوّض مشهدياً وتردّ الاعتبار، وأنّ الثلاثي الروسي الإيراني السوري لا يبحث في إذلال خصومه العائدين للتموضع عند خطوط تفاهمات، وأنه لو فعل قادة اللجان الكردية ما فعله الأتراك لوجدوا مخارج أكثر حفظاً لماء الوجه، مما سيظهرون عليه مع التخلي الأميركي عنهم ودعوتهم للانصياع للتهديد التركي بالابتعاد عن شرق الفرات، ومثلهم لو فعل السعوديون، فسيلقون في موسكو وطهران ترحيباً لم يحظ بمثله أردوغان، وبحلول سياسية في سورية واليمن تمنحهم مكانة ودوراً، وتحفظ مصالح وماء وجه، لكن مشكلة القيادتين الكردية والسعودية أنهما وضعتا الوهم مكان الحقيقة. وهم سعودي بمفعول المال والانتظار لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما ستنفذه هيلاري كلينتون من التزامات مدفوعة الثمن سلفاً لحملتها الانتخابية، ووهم كردي بما يمكن للأميركيين فعله، وكلاهما رهانه أميركي، على شرف الوفاء بالتعهّدات، يتناسيان أنهما يشتريان بوعود وعوداً، وبمال وتقديمات مواقف، وطالما يعلمان أنّ الأمر بيع وشراء عند الأميركي، فكيف يمكن للشرف والوفاء أن يكون لهما وجود، غداً يبيع الأميركي كما اشترى، ويشتري كما باع.