لبنان في مأزق حكم ونظام… ما الحلّ؟
العميد د. أمين محمد حطيط
بعد 14 عاماً من الاقتتال على الساحة اللبنانية تخلّلها عدوانان «إسرائيليان»، وبنتيجة تفاهمات دولية وإقليمية حول لبنان ترجم في وثيقة وطنية أسميت وثيقة الاتفاق الوطني في الطائف المدينة السعودية ، وقّعها من كانت انتهت مدة وكالتهم النيابية قبل 13 سنة وجدّدوا لأنفسهم في صيغ كانت ولا زالت موضع انقسام فقهي ودستوري حول صلاحية مجلس نواب منتخب لمدة محدّدة، أن يجدّد مدة ولايته، ومع ذلك اعتمدت الوثيقة ثم عدّل الدستور بموجبها وشكلت المؤسسات الدستورية على أساسها الى حدّ ما، انطلاقاً من انتخاب رئيس جمهورية ثم وضع قانون انتخاب ثم… إلخ…
جاء في تعديلات الدستور التي اعتمدت في الطائف محطات رئيسية وهامة لا يستطيع أحد أن يُنكر أهمّيتها في إرساء نظام ديمقراطي متوازن الى حدّ ما حسب النص، بهدف إنتاج نظام المواطنة بدل نظام المحاصصة الطائفية ومن خلال النص على وجوب البحث عن آلية تُنهي حكم أمراء الطوائف وتقيم حكم القانون عبر اعتماد المجلس الدستوري للنظر بشرعية ودستورية القوانين والأهمّ جعل السلطة التنفيذية بيد مجلس الوزراء مجتمعاً واعتبار النائب ممثلاً للأمة وأنّ انتخابه على أساس طائفي لا يكون إلا موقتاً وفي مرحلة عارضة لمراعاة العدالة الطائفية تمهيداً للخروج من القيد الطائفي واعتماد المواطنية بديلاً عنها.
لقد كانت هذه المواضيع الأربعة أهمّ محطات تطوير النظام اللبناني في الطائف، لكن التطبيق جعل الواقع أكثر مأسوياً مما كان عليه قبل الطائف، وكانت نتيجة التطبيق السيّئ أن بات التفكير بإلغاء الطائفية السياسية خطيئة لا تغتفر، واما المجلس الدستوري الذي هو جوهرة التطوير فقد عطل وألحق بأمراء الطوائف، والأدهى كان في قانون الانتخاب الذي فصّل على مقاسات أشخاص وأمراء طوائف ومنع التمثيل الشعبي والوطني الصحيح، وأخيراً كانت الكارثة الفاجعة في مجلس الوزراء الذي برز رئيسه بأنه الحاكم الفرد للبنان والشخص الوحيد الذي يتحكّم بالسلطة التنفيذية يعطّل فيها ما يريد وينفذ فيها ما يشاء ينفق كيف يشاء ويمنع عمن يشاء.
وبالتالي وللإنصاف الموضوعي نقول لم يكن نظام الطائف سيئاً بكليته، بل جاء بأحكام تتيح مع حسن النية والضمير الوطني إذا توفر أن تطوّر النظام بما يحفظ كرامة المواطن وحقوقه، خاصة أنه اعتمد من النصوص المرنة حمالة الأوجه التي تتيح أفضل طرق التطبيق، لكنها مع النفوس الضعيفة والمرتهنة والمريضة بالتعصب والارتهان للخارج قد تؤدّي الى أبشع النتائج. وهذا ما حصل تماماً في لبنان اليوم والذي تمّ التأسيس له اعتباراً من العام 2005 بعد مقتل رفيق الحريري ووضع اليد السعودية – الأميركية على لبنان حتى كانت انتفاضة 2008.
الآن ومع خواء الحياة السياسية اللبنانية وتحوّل معظم من يمارسون السلطة أو ما تبقى منها الى وكلاء للخارج، عاملين لمصالحهم الشخصية يمارسون النهب المنظم للدولة، فإننا نرى أنّ لبنان بات بحاجة الى صدمة كهربائية كبرى قبل أن ينهار انهياراً كلياً، صدمة تعيد الحال في مرحلة أولى إلى جوهر الطائف، لأنّ تجاوزه في المرحلة الأولى غير ممكن من دون إنتاج بيئة سوداء حمراء تلحق لبنان بمنطقة الحريق العربي، ولكن أيضاً يجب عدم الاكتفاء بما في الطائف بل يجب وضع القواعد الأساسية التي تمنع الانحراف في التطبيق بما يؤدّي ولا يكون ذلك إلا عبر خطة إنقاذ وطنية شاملة تقوم على أركان أربعة:
1 ـ التمثيل الشعبي الفردي والجماعي لإنتاج السلطة عبر اعتماد ما نص عليه الطائف، أيّ انتخاب مجلس نواب وطني خارج القيد الطائفي وينتخب عبر قانون انتخاب يعتمد النسبية في لبنان كله كدائرة واحدة، ومجلس شيوخ يمثل الطوائف التي تنتخب بنفسها ممثليها فيه على أساس المساواة بين المسلمين والمسيحيين والتوزيع العادل بين المذاهب في كلّ طائفة.
2 ـ التوازن في مجلس الوزراء وإشراك نائب رئيس مجلس الوزراء في الإعداد لجدول أعمال الجلسات ووضع حدّ للاستنسابية في تنظيم جدول الأعمال وفك ارتباط المجالس والهيئات التنفيذية برئيس مجلس الوزراء وربطها بالوزير المختص أو بمجلس الوزراء مجتمعاً.
3 ـ تفعيل المجلس الدستوري وإعطاؤه صلاحية تفسير الدستور واعتبار جلساته قانونية بنصاب الأكثرية المطلقة، وكذلك نصاب اتخاذ القرارات، مع تعيين أعضاء ردفاء يساوون ثلث الأعضاء يكون دورهم إكمال النصاب في حال غياب أحد الأعضاء والتنبّه إلى أنّ المجلس الدستوري هو هيئة قضائية – سياسية لا يجوز لها الامتناع عن إحقاق الحق لعلة عدم اكتمال النصاب.
4 ـ وضع سقف زمني لإلغاء الطائفية السياسية والانتقال من دولة الطوائف الى دولة المواطن.
اعتقد أنّ الخروج من حالات الطعن بميثاقية عمل هذه الهيئة الدستورية او تلك، وانّ التفلت من ديكتاتورية الأقلية بذريعة الميثاقية، ومن ديكتاتورية الأكثرية بسبب القوة والغلبة لا يكون إلا بنظام حكم وطني نمهّد له بالخطوات التي ذكرنا، وحتى ذاك الحين سيبقى الفساد ينهش الجسد اللبناني وتبقى حقوق المواطن مهدورة وسيستمرّ المتسلطون بالتحكم وملء جيوبهم من مال منهوب وفرض أزلامهم في مواقع الدولة لتسهيل النهب والسيطرة حتى ينهار البنيان كله على رؤوس الجميع، بما في ذلك الفاسدون والناهبون والمذهبيون والطائفيون.