مختصر مفيد حلف الشرف والشرق… والثقة بين الحلفاء

رغم حجم التعقيدات والخصوصيات المحيطة بالحلف الذي يجمع منذ سنوات الحرب على سورية كلّاً من دمشق وموسكو وطهران، يظهر هذا الحلف قادراً على تخطّي المصاعب والمتاعب وتقديم نموذج جديد من التحالفات. فالحلف لا يقوم على الإمرة، كما حال الحلف الذي تقوده واشنطن. وإذا كانت روسيا هي الجهة الأقوى بين حلفائها، فالوقائع تقول إن حجم استقلالية إيران كما ظهر في مفاوضات ملفّها النووي، وسورية كما ظهر في محطات دستورية تخصّها كالانتخابات الرئاسية والنيابية التي تحفّظت موسكو على مواعيدها وإجرائها، هي تعبير عن عدم تعامل موسكو كمرجع مهيمن، وعدم قبول دمشق وطهران بعلاقة تابع ومتبوع.

مع إعلان الهدنة في شباط الماضي، بدا أن لدمشق وطهران مقاربة مختلفة عن المقاربة الروسية، وبدا أن الحوار حول تقييم المقاربات توصّل عبر اجتماع وزراء الدفاع قبل شهرين في طهران، إلى رسم مقاربة مفتوحة على احتمالات متّفق عليها تلبّي حاجة الروس إلى مواصلة التجارب مع الأميركيين، وتلبّي حاجة السوريين والإيرانيين إلى عدم منح الجماعات المسلّحة فُرصاً مكلفة في إطار هذه التجارب الروسية. واليوم، مع التموضع التركي وما يثيره من التباسات، يبدو التحالف أمام اختبارات سيعرف كيف يتغلّب عليها بالحوار والتقييم المشترك وتبادل المعطيات.

يتحدّث الأميركيون عن حليفَيهم التركي والسعودي بلسان نائب الرئيس جو بايدن كرعاة للإرهاب، وبلسان الرئيس باراك أوباما كمحرّضين على التدخّل العسكري بخلفيات من الغباء السياسي، والعمل بوحي الحقد والسعي إلى التوريط. ويقول المسؤولون الأميركيون لحليفهم السعودي مشكلتك ليست مع إيران بل مع شعبك، ولحليفهم التركي يقولون تأييدنا لك ضدّ الانقلاب لا يمنحك تفويضاً لسلوك ديكتاتوري. وتقول وزارة الدفاع الأميركية إن دعم السعودية لا يعني قبول حرب لا نهاية لها وبلا هدف في اليمن. بينما يباهي كلّ من الحلفاء الروسي والإيراني والسوري بقوّة حليفه وصلابته ومنظومة قيمه، ويفتخرون بأن ما يجمعهم على تفاوت منطلقاتهم وأشكال أنظمة حكمهم، قيم الاستقلال الوطني والكرامة. واحترام هذه القيم يجعل أحدهم متفهّماً خصوصيات الآخر، وهذا ما بدا في القدرة على السيطرة العاقلة على تباين النظرة نحو كيفية الإعلان عن استخدام الروس قاعدة همدان الإيرانية.

دأب الأميركيون على استخدام مفردة «محور الشرّ» في توصيف خصومهم. وكانوا يخصّون دائماً سورية وإيران. وقد وصف نائب وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد حلف روسيا وسورية وإيران بحلف الشرق والشرف. مضيفاً أن هذا الحلف يقدّم إلى جانب المصالح كمحرّك للتحالفات منظومة القيم التي تجمع أطرافه والتي يختصرها الإيمان بمفهوم الاستقلال الوطني والسعي إلى عالم أكثر توازناً، والتصدّي للعدوان وانتهاك سيادة الدول باعتبارها هذا التصدّي تعبيراً عن مسؤوليات يمليها الالتزام بالقانون الدولي.

حلف الشرق والشرف يُرسي أسساً جديدة لمفهوم التحالفات، يجدر بأصدقاء كلّ طرف فيه التمهّل قبل إطلاق الأحكام المسيئة والشكوك بأطرافه الأخرى، لأنّ الثقة والصدق والوفاء من منظومة القيم التي يقوم عليها هذا الحلف…

ناصر قنديل

ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى