أديسيات
كنّا نعرفه عنيداً ورأسه صلبٌ كحجر الصوّان، كنّا قد اقتنعنا بعدم جدوى النقاش أو محاولة الإقناع لتغيير وجهة النظر أو مراجعة القرار في موقفٍ قد اتّخذه أو رأيٍ قد أبداه وآمن به… عبثاً، مضيعة للوقت والجهد.
هذا كان جوان من عين العرب، زميلنا في الخيمة أثناء دورة الأغرار في بداية الخدمة الإلزامية في صفوف الجيش العربي السوري.
سأنزل إجازة… هذا ما «قرّره» جوان في يومٍ من الأيام. طبعاً كما ذكرت أعلاه قراره كان نهائياً ولا نقاش فيه. ذهب لمقابلة صف الضابط المسؤول عن الدورة وطلب الإجازة، فكان الجواب: «لا إجازات»!
سأنزل إجازة… قالها بحزمٍ وثقة أكبر من المرّة الأولى، سأنزل مهما كان الثمن.
قالها وهو يُمسك بحجرٍ في يده اليمنى ويرفعها ليهوي بها على أصابع يده اليُسرى التي سندها على صخرة كبيرةٍ اعتدنا الجلوس عليها إلى جانب خيمتنا.
نعم، هرسَ سبابته بحجر كي يحصل على إجازة!
فما الذي حصل؟
أمضى إجازته ـ أو نقاهته ـ في سجن الكتيبة، هذا لأنه أخبرَ طبيب المستوصف عن سبب إصابته والهدف من فعلته هذه، وأخبر هذا الأخير بدوره مسؤول الدورة الذي أمر بحبسه.
اليوم، أستطيعُ أن أراهن أن جوان زميلنا في الخيمة هو اليوم أحد قادة الانفصاليين الذين يعملون المستحيل لاقتطاع جزء من الوطن وإقامة دولة عليها.
أما ما الذي جعلني أعتقد ذلك؟
العناد نفسه، والإصرار المقرون بالغباء نفسه.
الرهان الأرعن نفسه.
الحجر نفسه والصخرة نفسها.
ولكن، ليست الأصابع ما سيُهرس هذه المرّة بين الحجر والصخرة!
أديس ديرمنجيان