ورد وشوك
تجمّعت في شرفة أعرق نوادي دمشق ثلة من ورد الشام. مجموعة من السيدات والآنسات على مائدة فطور يوم عطلة، جمعتهن الصداقة والمعرفة من مجتمع تختلف فيه الثقافات بعيداً عمّا يحملن من شهادات. فيهن ربّة المنزل وسيدة أعمال ومدرّسة وطبيبة ومحامية وغيرهن ممّن شغلن منصباً في بعض الوزارات. معهن بناتهن طالبات علم، صبايا تحبّ حديثاً في عالم جلسات الصباح للتسلية والفائدة واستعادة النشاط بين فترة وأخرى بعد طول عناء.
كالعادة، بدأت الأحاديث الجانبية هنا وهناك كلّ بحسب الاهتمام وتعالت الضحكات، استحوذ عليهن الاهتمام لنقاش دار بين سيدتين لافت للانتباه. إحداهن تسأل: متى سينفضّ الاجتماع؟ لتطلب من زوجها أن يوافيها لاصطحابها إلى الدار؟ فردّت عليها أخرى أن لا داع لإزعاجه ولا ضرورة لقدومه… «أنا أوصلك في طريق العودة بكل امتنان»… هنا ظهر وبان اختلاف المبادئ والأفكار في نسيج العلاقة بين الرجل والمرأة بحسب وجهة نظر كلّ منهن.
وأنا مع شلّة الصبايا نصغي باهتمام.
قالت: «طلب حضوره إقرار منّي بأنني لا أحسن التصرّف من دونه في أبسط الأمور، وهذا ما يولّد لديه الإحساس بعظيم أهميته في حياتي… فالرجل الشرقيّ ترضيه هذه الحركات».
ردّت عليها بلهجة كلّها احتجاج واستغراب: «والمرأة الشرقية أيضاً يستطيع الرجل الاعتماد عليها في تصريف أمور الحياة، وليس في هذا أيّ انتقاص لقدره ورجولته».
هنا بدأت التدخلات وانبرت كلّ واحدة تدلو بدلوها من خلال تجربتها بين مؤيدة ومعارضة.
واقعة بسيطة أثارت ضجة وفتحت باباً واسعاً للجدال والنقاش. وبعد أخذ وردّ، قالت إحداهن محاوِلة إنهاء نقاش فيه ظلم للرجل الشرقي والمرأة على حدّ سواء، مذكرة بمآثر منها ما روي عن عمر المختار أنه بكى زوجته عند وفاتها. فقالوا له: «ما يبكيك؟»، أجاب: «كنتُ كلّما جئت إلى خيمتي بعد معركة من المعارك ضدّ الإيطاليين، كانت ترفع باب الخيمة لأدخل، فسألتها: لِم تفعلين ذلك؟
قالت: كي تظل رافعاً رأسك فلا تنحني لشيء.
نعم، كانت زوجة عمر المختار في الظلّ له، أكبر دافع تشدّ عضده ليبقى بطلاً في المعارك، عزّتها من عزّته، وفخرها برجولته لفعلها دافع.
بكى لوداعها ولم يحسب أن تُعاب رجولته. فما كان للعِشرة ناكراً.
هنا انفرجت أسارير المجتمِعات، ورددن مبديات الموافقة أن الفطور كان غذاء للروح قبل أن يكون للبطون مالئاً، على أمل لقاء آخر.
رشا مارديني