تقرير
تناولت صحيفة «كومرسانت» الروسية عملية «درع الفرات»، التي بدأتها تركيا في سورية مشيرة إلى أنها لقيت تفهّماً في واشنطن لا في موسكو.
وجاء في التقرير الذي نشرته الصحيفة أمس: تتعرّض العلاقات الروسية التركية لاختبار جديد بعدما اجتازت القوات التركية الحدود السورية مدعومة بطيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وبدأت تنفيذ عملية «درع الفرات» ضدّ الإرهابيين، من دون الاتفاق في شأنها مع دمشق. وقد تمكّنت القوات التركية من فرض سيطرتها على مدينة جرابلس السورية الواقعة قرب الحدود التركية بحلول مساء ذلك اليوم.
وقد أعلن نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن الذي يزور تركيا عن موافقته على هذه العملية، في حين أعربت الخارجية الروسية في بيان عن قلقها العميق من هذه العملية، خصوصاً أنه لم يتم التنسيق مع موسكو في شأنها، ما قد يعقّد مسار تطبيع التعاون المتبادل بين البلدين، والذي تم الاتفاق عليه في سان بطرسبورغ بين الرئيسين بوتين وأردوغان.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فأعلن أن عملية «درع الفرات» موجّهة ضدّ «داعش»، وأيضاً ضدّ «وحدات حماية الشعب الكردي»، التي تعدُّها أنقرة إرهابية. كما أشار أردوغان إلى أن هذه العملية ليست تهديداً لوحدة الأراضي السورية، وقال: «لا أهداف أخرى لدينا، باستثناء مساعدة الشعب السوري».
وحُضّر لهذه العملية خلال أيام عدّة. وخلال الفترة التي كانت فيها وحدات القوات الخاصة التركية تستكشف المنطقة، كانت الدبابات التركية والمدفعية الثقيلة تتقدم نحو الحدود مع سورية. وبدأت العملية بقصف مكثّف لمدينة جرابلس خلال الساعات الأولى رُصدت 224 ضربة على 63 هدفاً في المدينة بمشاركة طائرات التحالف الدولي، ما سمح لفصائل «الجيش الحرّ» بالدخول إلى المدينة والسيطرة عليها، من دون أيّ مقاومة تذكر. لأن مسلّحي «داعش» في المدينة بدأوا مغادرتها قبل بداية العملية.
وأكدت البيانات التركية أن هذه العملية ليست عملية برّية، وأن مهمتها فتح ممرّات لـ«المعارضة السورية المعتدلة» للدخول إلى المدينة وتطهيرها من الإرهابيين. ويذكر أن الأراضي التركية كانت تتعرّض لقصف دوري من هذه المدينة في الفترة الأخيرة.
وقال مصدر عسكري لـ«كومرسانت» إن الأجهزة الروسية الخاصة كانت لديها معلومات عن نيّة أنقرة القيام بهذه العملية، ولكن حجمها فاق ما كان متوقّعاً حيث كان بالإمكان السيطرة على المدينة بقوى أقل بكثير من التي تستخدم. وهذا يعني أنها لن تنتهي في هذه المنطقة بل ستستمر. لذلك فقد أعربت الخارجية الروسية في بيان عن قلقها العميق من العملية التركية في سورية. وجاء في البيان: «قبل كلّ شيء يثير القلق احتمال استمرار تدهور الوضع في منطقة النزاع، بما في ذلك احتمال سقوط ضحايا بين المدنيين وتصعيد الخلافات العرقية بين الأكراد والعرب».
من جانبها، سمّت السلطات السورية العملية التركية «غزواً»، وطلبت الخارجية السورية من مجلس الأمن الدولي التدخّل بسرعة ووقف العدوان معلنة أن سورية تستنكر اجتياز الدبابات التركية الحدود باتجاه مدينة جرابلس، مدعومة من طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وتعدُّ هذه العملية انتهاكاً صارخاً لسيادتها.
من جانبه، قال كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط آلِكسندر فاسيلييف لـ«كومرسانت» إن تركيا بواسطة عملية «درع الفرات» تدعم «المعارضة السورية المعتدلة» بالدبابات والمدفعية والطائرات. وهذا المخطّط مدروس من قبل تركيا. وبحسب قوله، فقد نفّذ الأتراك عمليات مماثلة بنجاح في شمال العراق بالتعاون مع مجموعات كردية محلية موالية لهم، وأنشأوا شبكة كاملة من مراكز الإسناد والقواعد العسكرية. وبهذه الصورة حاولت أنقرة محاربة «حزب العمال الكردستاني» ونقل المعركة من جنوب شرق تركيا إلى شمال العراق.
وأضاف فاسيلييف أنّ هدف العملية الأساس منع توحيد الكانتونات الكردية في جيب واحدة على الحدود التركية ـ السورية. أما الخبراء الذين استطلعت «كومرسانت» آراءهم بالعملية التركية، فإنهم يتفقون على أن عملية «درع الفرات» موجّهة أساساً ضدّ الأكراد تحت غطاء محاربة الإرهاب الدولي.
ووفقاً لمدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات روسلان بوخوف، فإن عملية «درع الفرات» تزامنت مع زيارة جو بايدن، وأخذاً بالاعتبار توتر العلاقات التركية ـ الأميركية، فإن العملية سمحت للجانبين بصرف الأنظار عن مشكلة فتح الله غولن، واستعراض أنهما حليفان استراتيجيان.
غير أنّ العملية التركية في سورية قد تؤثّر في مسار تطبيع التعاون الثنائي بين روسيا وتركيا. ويقول مدير مركز «روسيا الشرق الغرب» فلاديمير سوتنيكوف إن أردوغان يلعب لعبته كما في السابق، وهو في الجهة الأخرى من المتراس.