الاحتلال التركي.. والرهان الكردي!
نظام مارديني
ستكثر القراءات حول حقيقة الاحتلال التركي لأراضٍ في شمال سورية ريف حلب ، فهو إذ يوفر غطاء للجماعات الإرهابية والعميلة في تلك المناطق بعد سلسلة هزائم مُنيت بها، إلا أن ثمة حقائق لا يمكن إغفالها في هذا العدوان المباشر، ولعل أبرزها:
تركيا كحال السعودية في اليمن تفرض نفسها كلاعب أساسي في المعادلة السورية والإقليم. وقد حصل أردوغان على تفويض من مختلف الأحزاب التركية لهذا العدوان للتصدّي لأي محاولة إنشاء كيان كردي في شمال سورية من جهة، ولتكريس فصائل عميلة لأنقرة في جرابلس ومنبج، وإبقاء داعش في الباب حتى إشعار آخر.
لم تتردد أنقرة طويلاً بعد تفجيرات بلدة غازي عنتاب باتهام داعش، رغم غياب أي تبنٍّ للتفجير من قبل هذا التنظيم الإرهابي، ما يؤكد الرسالة الدموية ذات البعد الديموغرافي الكردي التي أرادها النظام التركي. وهذا بطبيعة الحال الخطيئة الكبرى التي وقع فيها هذا الطوراني تجاه مواطنيه، فهو سحب مسمار قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، ولم تكن تحتاج إلا صاعقاً لن يتردد أغبياء النظام التركي في توفيره مع تفجير غازي عنتاب .
وجود التنظيمات الإرهابية على الحدود السورية التركية، تريد أنقرة منها أن تكون حاجزاً أمام أي تقدم لوحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي، في المستقبل، وقد يكون من المفيد بالنسبة لأنقرة ترك الأضداد تتصارع في حروب بالوكالة، وهي الاستراتيجية نفسها التي يستخدمها الغرب، في العراق واليمن، الذي يزعم أنه راعي الحريات وحقوق الإنسان، وصولاً إلى استنزاف الجميع.
روسيا وإيران، وجدتا نفسيهما محرجتين أمام هذا العدوان التركي وتداعياته الخطيرة الحاصلة على الأراضي السورية، رغم الانفتاح على أنقرة.. فهل تباع سورية للطوراني قطعة قطعة؟
تعرف كل من موسكو وطهران أن لا تغيير حاصل بلقاء وزيري الخارجية الروسي والأميركي سيرغي لافروف وجون كيري في جنيف، الذي جاء على وقع العدوان التركي على الأراضي السورية.. واشنطن لا تزال عند وعدها لمحور العدوان جبهة النصرة مقابل النظام ، فأي معارك جهنمية هذه التي تنتظر السوريين بغطاء أميركي!؟
نعلم أن التفكير هو آخر تجليات العقل في منطقتنا.. العقل الذي حُكم عليه بأن يكون مستودعاً للغباء، وللانغلاق، وللتبعية.. العقل الذي يراقص قايين بدلاً من أن يتفاعل مع ابن خلدون وأنطون سعاده، وكل من يقول بتفكيك ايديولوجيات الدم، والضغينة، ورؤية الحوريات…!
كان يمكن، هنا، لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية أن تشكلا داعماً للجيش السوري عدوهما واحد ، إلا ان تفجير الوضع في وجه الجيش السوري في مدينة الحسكة بطلب أميركي، وبوهم إقامة فيدرالية، أفقد هذا الأمر مبرراته الوطنية وحتى إشعار آخر.. أم أن ما حصل في الحسكة تتمة لما حصل لجرابلس واستكمالاً لاتفاق كردي – تركي بضمانة أميركية تمّ في أيار الماضي، وضحيته القواعد الكردية الحالمة!؟
الخوف أن يبقى بعض الكرد ضحايا السراب.. أشقاؤكم الأميركيون يقتلونكم جميعاً.. مفتونون أنتم بخدمتهم و… يقتلونكم برصاص الاحتلال التركي!!
لقد دفعت أنقرة الإرهابيين للرقص، بين الأحذية، وبين الايديولوجيات الآتية من قاع الغيب، كما من قاع الأزمنة، وفتحت الأبواب أمام حفاري القبور، باللحى المستوردة من القرون الوسطى، وبالأسنان التي كما لو أنها أسنان الأفاعي..
فهل سيبقى رهاننا على أن الوعي الكردي ما زال يعمل ولو على ضوء الشموع؟