لماذا لم يقاتل داعش في جرابلس؟
حميدي العبدالله
بات واضحاً أنّ تنظيم داعش سلّم جرابلس للقوات التركية من دون قتال. وقد بدأت عملية الانسحاب من جرابلس قبل أكثر من أسبوع من دخول القوات التركية إلى هذه المدينة الحدودية السورية. وبديهي أنّ هذه الوقائع تتيح فرصة للاستنتاج بأنّ العملية كانت منسقة مع تركيا، وتطرح أسئلة كثيرة حول علاقة تركيا بداعش بما يتجاوز حدود التعامل معها لاستخدامها وتوظيفها في الحرب على سورية والعراق.
وثمة تفسيران لأسباب تسليم داعش من دون قتال لمدينة جرابلس، التفسير الأول، الأكثر رواجاً والذي يتضمّن اتهام للحكومة التركية بالتعاون مع داعش، وبسبب هذا التعاون قام داعش بالانسحاب لتسهيل المهمة على القوات التركية في مواجهة الأكراد، الخصم الصلب لهم في هذه المنطقة بالمقارنة مع التشكيلات المسلحة الأخرى.
التفسير الثاني، مبنيّ على حسابات لدى داعش قائمة على فكرة دفع الأكراد والأتراك للتصادم المباشر، لأنّ من شأن مثل هذا التصادم أن يخلق ظروفاً تساعد داعش على الاحتفاظ بمواقع لها في المحافظات الشرقية وبعض ريف حلب، لا سيما أنّ المواجهة بين الأكراد والأتراك قد تدفع القوات الكردية إلى إرسال تعزيزات من محافظتي الحسكة والرقة إلى مناطق الاشتباكات ومن شأن ذلك أن يخلّ بتوازن القوى ويسمح لداعش بالتمدّد من جديد في هاتين المحافظتين، وتعويض خسائره الأخيرة، ولا سيما في العراق وفي محيط مطار كويرس، إضافة إلى خسارته لمدينة تدمر. لا شك أنّ خطوة داعش في تسليم جرابلس من دون قتال لم تكن صاعقة في سماء صافية، بل تعكس حسابات سياسية، سواء كان التفسير الأول هو الدافع أم التفسير الثاني، أو الاثنان معاً.
في مطلق الأحوال، أنّ هذا التطور أعاد خلط الأوراق في المحافظات الشرقية وفي ريف حلب الشمالي، وساهم في خلق أولويات لدى الأطراف الثلاث الرئيسية المتصارعة، أيّ لدى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ داعش والذي يعتمد على الأكراد، أو «قوات سورية الديمقراطية»، والتحالف الأميركي الآخر، الذي تشارك فيه دول إقليمية والمتمثل بالجبهة الشامية، والطرف الثالث التحالف الذي تقوده تركيا ويضمّ الجماعات المسلحة المرتبطة مباشرة بالمخابرات التركية، مثل جماعة «نور الدين زنكي»، و«استقم كما أمرت» و«قوات السلطان مراد».
هذه الأطراف الآن منشغلة في قتال بعضها البعض بالقرب من الحدود التركية، وسيترتب على هذا القتال نتائج وظروف جديدة.