صابر الرباعي يرفض الغناء للجيش اللبناني ويشترط حصوله على المال

جهاد أيوب

فعلاً، الشهرة والأضواء والميديا تصيب الشخص، خصوصاً الفنان، بجرثومة الغرور، أو بجرثومة الفهم العارم، وتجعله المعلّم الذي لا يرتكب المحرّمات والخطأ والخطيئة، وطائراً ومحلّقاً في الفضاء ولا يسير على الأرض، وقدماه لا تلامسان التراب، وعلى الأمة السير خلفه، كما هو حاصل مع المطرب التونسي صابر الرباعي في خطيئة فعلته الأخيرة.

مَن كان يستمع إلى تصريحات الرباعي وحواراته في السنوات الخمس الماضية يدرك صحّة ما نشير إليه، وكم من فنان سقط نتيجة الأضواء.

أخطأ المطرب صابر الرباعي في ذهابه عن طريق المحتل «الإسرائيلي» للغناء في الأراضي المحتلة، وأخطأ أكثر حينماً أطلّ عبر تلفزيون سلطة أبي مازن يتبجّح كما لو كان فاتحاً للقدس. لم يخطئ كضيفٍ عبر تلك المحطة، ولكنه أخطأ حينما أخذ يعلّمنا واجبنا والمقاومة، وينظّر علينا، ويرفع راية أنه حقّق النصر الكبير في زيارته تلك. ويطالب كلّ فنان عربي بمجاراته، وبفعل الزيارة التي تمت عبر معبرٍ صهيوني، ولا نستطيع أن نقول عن ذلك إلا «فعل الهبل».

والخطأ الأكبر، والمغلّف بالتصرّف الأهوج غير المدرك، حينما تصوّر مبتسماً بثقة عارمة وبفخر مع ضابط صهيونيّ على كتفه نجمة داود واضحة المعالم. لا بل كما قيل من قبل من رافقه أنّ الضحك والمسامرة بين صابر والضابط «الإسرائيلي» لم ينقطعا. وصابر كان في أفضل أحواله، ولم تكن الصورة مقحمة أو مفروضة عليه كما لمّح في بيان ردّه.

البيان الذي أصدره صابر بعد انتشار فضيحة تطبيعه مع قاتل الفلسطينيين، وذابح أطفال العرب وشيوخهم وشبابهم ونساءهم وأشجارهم كان قباحة، وخفّة بعقله وعقول شعب وطنه والشعب العربي، متناسياً انه دخل بِإذنٍ من العدوّ!

مشكلة بعض الفنانين العرب إقحام أنفسهم بالسياسة العربية كطرف، أما في موضوع «إسرائيل» فتتجمّد عقولهم، ويناطحون السلام وحبّ الحياة، ولا يكترثون لأطفال فلسطين في سجون الصهاينة، ويتناسون تعمداً الشهداء، ومن يذبح يومياً على يد أهل الغدر والنفاق الصهاينة.

إن موضة استضافة الفنان في برامج حوارية ليمدّ لسانه ويعلّمنا السياسة والوطنية أصبحت عاهة تصيب بعض الفنانين بعقدة الفهم الزائد، وبالتنظير الفائض، ولا عجب من صابر أن يزور فلسطين المحتلة بواسطة «إسرائيل» الإرهابية وهو من دافَع عن قَتَلة الشعب السوري، وسمعته ذات يوم مدافعاً عن «داعش» وعمّا قيل يومذاك عنها «ثورة سورية» و«معارضة». وقرأت له رفضه تكفير «الدواعش» أو انتقادهم. لا أدري من سمح له بإعطاء رأيه، في حين المطلوب منه فتح فمه للغناء لا للثرثرة. كلّ ذلك كان إرضاءً لشخصية خليجية تكره سورية ورئيسها بشار الأسد، وتتبنّاه فنياً، وتساعده في أن يكون ضمن فريق حكّام برنامج هواة، فاعتقد صابر الذكيّ جدّاً أنه إذا كان طرفاً في اللعبة الداخلية العربية يحقق فوزاً مع شيخه. وإذا ذهب إلى الأراضي المحتلة بهذه الطريقة العوجاء، وبمصافحة الضباط الصهاينة حقق نجاحاً عالمياً.

صابر الذي رفض الغناء للجيش اللبناني حينما اتصل به الرائد المتقاعد حالياً «أ. ف.» طالباً منه أن ينشد أغنية لحامي الديار اللبنانية، خصوصاً أن لبنان له فضل احتضانه وانتشاره فنياً، اشترط أن يقبض ثمناً لغنائه، وجاء شرطه هذا بعدما رفض أكثر من مرّة طلب الغناء للجيش اللبناني.

يقول الرائد: «حينما قال لي المعاون الأول إنّ المطرب التونسي صابر الرباعي رفض الغناء للجيش لم أصدقه، وكنت أعتقد أنّه محبّ لهذا الوطن وجيشنا هو وطننا. طلبت معاودة الاتصال، لأفاجأ أن رفضه كان قاطعاً. وبعد تدخّل وساطة شخصية مدنية، اشترط صابر أن يتقاضى مبلغاً من المال عن غنائه لجيشنا. حينذاك رفضت متابعة الاتصال به أو السماح له أن يردّد كلمة واحدة عن جيشنا اللبناني، ويكفي جيشنا أنّ السيدة صباح والسيدة فيروز والعملاق وديع الصافي ردّدوا اسمه بأصواتهم الصدّاحة. وبالطبع لم نأخذ أيّ إجراء معاكس، فنحن نحترم رغبة كلّ شخص».

إلى هنا ينتهي كلام الرائد لكاتب هذه السطور، مع افتخارنا بأنّ ردّ فعل جيشنا لم يكن سلبياً ضد صابر الرباعي بقدر احترام حرّيته، وهو لديه حرّية الغناء أو الرفض. ولكن العجيب أن يتنقل صابر، ويتسامر، ويتصافح، ويتصوّر مع ضابط صهيونيّ اشتهر بذبح أهلنا في فلسطين، ويفتخر بحقده على العرب، فيما يشترط قبض المال بدل غنائه للجيش اللبناني الذي يقوم بحراسته حينما يغنّي على الأراضي اللبنانية بطيب خاطر، وانطلاقاً من واجب وطنيّ كي يؤمّن راحته.

لسنا هنا لجلد صابر الرباعي لكونه من جرّاء هذه الفعلة أصبح داعيةً للتطبيع مع دولة الصهاينة المحتلة لفلسطين، التي لم يعد يتذكر وجودها ووجعها، وإلا لما يتصرّف كما تصرف، فقط نطالب مقاطعة بثّ أغانيه، وعدم التعامل معه، وعدم السماح له بدخول أرضنا التي لا تزال تمسح دموع الموت الذي سبّبه الصهاينة.

على صابر أن يعترف أنه أخطأ وكلّنا نقع في الخطأ، حينئذ نسامحه، و«نطنّش» عن فعلته الحمقاء. أما في موضوع الجيش اللبناني، فليس مهماً أن يصدح صوته لجيش هو الأشرف، ويقاتل بلحمه وروحه، يكفينا فخراً أن أهمّ الأصوات على الأرض غنت له، ونسامحه فحرّية الفرد مصانة، ورفض صابر الرباعي الغناء للجيش اللبناني يأتي ضمن حقوق حرّية الفرد… ولكن؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى