الحريري عالق عند حدود المرجعية «السنية» في المنطقة

image003

روزانا رمَّال

شكّل حزب العدالة والتنمية بنفوذه الممتدّ عربياً وخليجياً العدو الأول لأنظمة الخليج وحكوماتها التي شنّت منذ اوائل ازمات «الربيع العربي» حملة تطهير وضبط واسعة النطاق لوجود أيّ عنصر من عناصر جماعة الإخوان المسلمين الواقعة ضمن دائرة سيطرة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وحزبه. وبهذا الاطار كان لشخصيات خليجية بارزة مواقف شديدة الحذر من تواجد الاخوان في الارض الخليجية، كتلك المواقف التي يجاهر فيها دائما القائد السابق لشرطة دبي ضاحي خلفان وهو الذي ينعت الاخوان كتصنيف خليجي بالجماعة الإرهابية.

هذه الازدواجية أخذت التفكير في ماهية الشراكة «السعودية التركية» في سورية ونوعيتها والتي من شأنها فتح الباب امام تحديات عديدة. فتركيا التي عززت وجود الاخوان المسلمين في مصر وساهمت في وصول الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي الى الحكم، «طُردت» من مصر تدريجياً ليحل مكانها النفوذ السعودي الذي ساهم بطريقة أو بأخرى بتعزيز حضور مصر الجديدة بقيادة عبد الفتاح السيسي ودعمه، حيث ساهم الأخير بتقديم ما أمكن لإعادة إحياء الزخم السعودي داخل الشارع المصري، بعدما كاد يتلاشى بسيطرة تركيا وحلفائها العرب وأبرزهم قطر.

كان للملك سلمان زيارة هامة لمصر التي قدّمت له استعدادها في ذلك الوقت على الاعتراف بسعودية جزيرتي «تيران وصنافير» قبل أن يتم رفض ذلك باعتراضات قضائية مصرية. مصر ايضاً خضعت لرغبة السعودية بإنزال قنوات محور ايران – سوريا – حزب الله عن القمر الصناعي نايل سات مساهمة بحجب مشاهدة قنوات مثل «المنار» وغيرها داخل سوريا وخارجها عربياً وخليجياً، وكل هذا يؤكد امرين اساسيين:

الاول: تثبت التجربة اليوم ان لا مجال «طبيعي» لشراكة تجمع الطرفين السعودي والتركي في آن واحد ضمن هذه البقعة الجغرافية من الشرق الاوسط، ولو شكّل الاتفاق على التخلص من النظام السوري في مرحلة معينة حالة شاذة ما يلبث أن يتحول ساحة معركة يعمل أحد الاطراف على طرد الآخر منها مجدداً.

ثانياً: حسم المرجعية السنية بواحدة من هاتين الدولتين «السعودية وتركيا» لا يمكن التفريط فيه بسهولة بعد كل الذي جرى بالمنطقة، وبالتالي فإن هذا الأمر من شأنه ان يخلق تحدياً طويل الامد بينهما لا يمكن الوثوق في أنهما ستنتهيان سريعاً منه بمجرد نضوج تسويات دولية في المنطقة.

العداوة غير المعلنة بين تركيا والسعودية والكباش على إضعاف احد الطرفين للآخر لا تزال قائما بكل قوة، لا بل تبلغ ذروتها في هذه المرحلة. فالتقارير الاستخبارية والأمنية تحدثت ابان عملية الانقلاب الفاشل التي تعرض لها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في 15 تموز الماضي، عن إمكانية أن يكون الانقلاب مدعوماً من شخصيات سعودية كولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان إضافة الى معلومات تتحدث عن دعم خليجي للداعية فتح الله غولن الذي يقطن ولاية بنسلفانيا الاميركية المتهم بانه الطرف المحلي لعملية الانقلاب، والذي تتمسك فيه واشنطن حتى الساعة فهو كان قد ظهر بعد فترة من العملية على قناة «الغد العربي» المدعومة من جهات إماراتية باول اطلالة له ما أثار حفيظة الاتراك الذين اعتبروا ان التسهيلات الإعلامية والحماية الامنية المشتركة اميركيا وخليجيا هي ابرز اسباب ما جرى.

الحذر الذي يعيشه الرئيس التركي وحزبه لا يزال موجوداً وقائماً، وعلى هذا الاساس ليش وارداً ان يمعن في سياساته السابقة التي تكفلت في كشفه أكثر أمام عبث المستفيدين في حكمه وهو توجّه نحو روسيا بغرض التفاهم والتنسيق الذي اثبت على ارض سوريا نجاحاً اولياً فها هي «داريا» إحدى ثماره مقابل نسف الحلم «الكردي» بدولة بأيادٍ سورية تركية وضمانة روسية في الشمال السوري، فانهارت قرى وبلدات داعش بشكل كشف عن تعاون تركي جدي لأول مرة منذ الحرب السورية.

توجّه الرئيس الحريري على وقع التطورات السورية نحو تركيا ليستمع لكلام الرئيس التركي «المختلف» هذه المرة. فقد لحظ الحريري أجواء جديدة طرأت على الموقف التركي تجاه سوريا وتجاه الرئيس بشار الأسد «شريك» اردوغان بالتمسك بحماية الحدود الشمالية وخطر تقسيم سوريا وإنشاء «دولة كردية». يعيش الحريري لأول مرة دوامة انسداد الافق بين تركيا والسعودية لشدة الخصومة البالغة الخطورة، خصوصاً بعد اتهامات خليجية وراء الانقلاب التركي الفاشل كمفصل أساسي من عمر العلاقة، ما يعني استحالة أن يعتمد على أي نوع من الوساطة بين تركيا والسعودية يرفع اردوغان اسهمه من خلالها عند الرياض لإعادته رئيساً للوزراء. وهنا يبدأ السؤال حول خطوات الحريري المقبلة وعما اذا كان قادراً على انتظار حسم «المرجعية السنية» في المنطقة والسؤال الثاني الأهم: هل سيقدم الحريري على تخطي المرجعية السعودية إذا ما اتيحت له الفرصة؟

مصادر مطلعة تتحدث» للبناء» عن خيار وحيد لتغطية الحريري إقليمياً لا بديل عنه وهو اعتماده تركيا كغطاء لحركته السياسية المقبلة، مستفيداً من العلاقة العائلية الجيدة جداً مع الرئيس التركي وأبنائه، ومن العلاقة الاقتصادية والشراكة مع الرئيس التركي في شركة الاتصالات «اوجيه تليكوم» بدل تلك المنهارة مع السعوديين والمهملة من قبلهم من أجل إعادة تقوية حضور تياره داخلياً، فيبقى متخفياً تحت «الجناح السني» التركي مترجماً الانضواء غير مباشر للتنسيق مع السياسة الروسية في المنطقة، على غرار ما قامت به تركيا مؤخراً، والذي تشارك فيه ادارة اوباما كتنسيق محتوم مع روسيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى