الربّان الروسي… وسلامة «التايتنك» السورية
لؤي خليل
منذ بداية الأزمة السورية، تأخذنا مفاتيح القيادة الروسية لملفات الحرب الناشئة في سورية، من نجاحات إلى نجاحات، حتى نكاد نرى برّ الأمان السوري في المنظور السلمي القريب، قد أصاب معادلاته وأعلن نجاحاته، في أكثر من إتجاه عسكري وسياسي. لتحمل رياح الأمان الروسي جميع الغارقين في سفينة الدمار، التي صمّمها الغرب والخليج المتصهين، للدولة والشعب السوري، ظناً منهم أنهم سيغرقون قيادة هذا البلد المقاوم، في دوامة بحر الانتهاء إلى أعماق اللانهاية السياسية والعسكرية، وربما البشرية.
لكن رياح الأمان الروسي تصل بها دوماً الى برّ الأمان السياسي والعسكري، رغم جميع الهجمات وتكتل الخيانات المحيطة بها، من كل حدب وصوب. حتى كادت تغرق سفناً أخرى، وربما قريباً، قبل ان تغرق هي في مهبّ رياح الغدر التركي – الخليجي.
الربّان الروسي بات يدرك جيداً بوصلة النصر القريبة مع الحلفاء في إيران وسورية. وأصبحت أشرعة النجاة واضحة حتى للشعب السوري نفسه، الذي حمل السلاح بوجه دولته وأغرقه الغرباء، وعلى رأسهم المستعربون الخليجيون، في مستنقع الظلام غير المحدود، الذي بدأوه منذ خمس سنوات. أشرف على التبخر تحت نار الحمم والضربات الجوية الروسية، وحلفاء المقاومة، الذين ثبتوا أعمدة النصر وشراع النجاة، واقتربوا أكثر وأكثر من شاطئ النصر السوري القريب.
فما أوراق الاعتماد الجديدة، التي يقدّمها التركي للقيصر الروسي والحليف الإيراني، سوى مقدمة اعتذار واضح من القيادة السورية، وبداية إنهاء لعلاقة الخليج بالداخل السوري، من الزاوية التركية. وما دخول العراق بشكل مباشر، في صلب التعاون السوري – الإيراني الروسي، سوى دعامة أكثر وزيادة أوراق قوة، في وجه أوراق النار التي تحاول أميركا أن ترمي بها السفينة السورية، لإغراقها أكثر. لكن ذكاء المارد الروسي وحرصه على عدم مواجهة الولايات المتحدة مباشرة، تماماً كما حصل في معادلة الحسكة. وتراجع الولايات المتحدة من داعم للعنصر الكردي، إلى داعم لأشدّ أعدائهم في تركيا، ليس سوى تخبّط أميركي معلن، وأوراق يحاول تحصيلها قبل ساعة الحقيقة السورية، ووصول برّ السلام الحقيقي بأيادي الحلفاء الروس. فلا تراجع عن روعة «التايتنك» السورية، هذه الفسيفساء الوطنية التي يمثلها الشعب السوري، والإمتنان الذي بات يمثله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع القيادة السورية، تظهر للعالم انّ ما هو مقبل صعب وخطير على دول مارست الغدر ضدّ الدولة السورية، وحتى ضدّ إيران وروسيا، وكانت تجهّز لما هو أبعد من أوكرانيا والقرم.
لكن حنكة القيادة الروسية بإبعاد نار هؤلاء حالياً، وإطفائها بعيداً عن «التايتنك السورية»، هو الذي سمح لأول دبابة، أو مركبة، تركية أن تدخل حبّة تراب سورية، أو لطائرة تركية. فلعبة الشطرنج التي يفسّرها البعض بأنها تقسيم للنفوذ، لم تعد موجودة، وأصبح بديلاً عنها رقعة الإطفاء لما أشعلوه بأعواد الثقاب «الداعشية»، فمحاولت إدخال مجموعات مخالفة للفكر «الداعشي» بقيادة تركية، هي بداية لإيجاد منفذ ربما لتثبيت معادلات المصالحات، أو الحلول في مناطق، كما يحصل في حمص وداريا ودرعا.
والزمن أثبت أنه كفيل بثبيت مصالحات في مناطق شهدت أقسى وأعنف المواجهات. لكن كانت مع سوريين. لذلك يبقى حجم التحليل والقصف على ايّ مصالحة، بعيداً عن تشعّب النيران التي ترمى على سورية، لأنّ إطفاء حروب كهذه، يحتاج إلى ربّان قادر على لعب دور تصالحي، في وقت لا يسمح بزيادة أيّ نار في مناطق حساسة مثل العاصمة دمشق. وهذا ما اختارته القيادة السورية الحكيمة في إطفاء النيران على مراحل عدة.
وهذا ما سيزيد، في الأيام المقبلة، حجم النيران التي ستنطفئ، وما سيزيد حجم النيران التي ستفتح على مسلحين لا يزالون بعيدين عن معادلات الإطفاء. فالربّان الروسي تمرّس القيادة مع الدولة السورية لأقوى الملفات حساسية، ونجح معها في اقتلاع صخور البحار، بحثاً عن أمواج تساعد في فك اتجاهات بوصلة النصر القريب. وأجادا المرور بين لهب الحرب أحياناً مهما كانت التضحيات.
لأنّ على الجميع أن يعلم، أنّ سفينة تعدّدت نيرانها ستغرق حتماً، إنْ لم يكن لديها ربّان أتقن إطفاء جبهات النيران، وقيادة حكيمة في سورية تدير دفّات الإتجاه مع حلفائها، بصبر وإتقان، من دون انفعال. لأنّ في الحروب الطويلة لا مكان للضلال والانفعال، ولأنّ بوصلة النصر تحتاج إلى صبر حتى ترى مؤشر الهدف يثبّت إتجاهك ليوصلك إلى برّ الأمان.