برّي في ذكرى تغييب الصدر: لتنويع مصادر تسليح الجيش لأنّ حدود الوطن مهدّدة من «إسرائيل» ومن التكفيريّين

أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي سيبقى يحتلّ موقع الأولوية، لأنّ الدولة لا يمكن لها السير من دون رأس، ولأنّ ثقة المواطن بالدولة وثقة العالم بلبنان ستبقى مهتزة إذا استمرّ العجز عن إنجاز انتخابات الرئاسة.

وأشار إلى أنّ إتمام انتخابات الرئاسة يعبّر عن قوة وحدتنا، ورسوخ نظامنا وسيفتح الباب لإنجاز مختلف الاستحقاقات، التي تدقّ على الأبواب، ومنها الانتخابات النيابية، مما يعيد إلى لبنان بهاء نظامه البرلماني الديمقراطي، ويطلق عملية سياسية نحن أحوج اليها لمواجهة استحقاقات وتهديدات الإرهاب العابر للحدود والدول، وهي تهديدات طرقت أبوابنا وشعرنا بها طوراً على شكل أزمة نازحين، وتارة على شكل معتقلين وتفجيرات واجتياحات كما حدث لعرسال، وجولات لحروب صغيرة كتلك التي شهدتها طرابلس وصيدا.

ووجه بري في إطلالته من عين التينة مساء أمس عبر شاشات أقنية التلفزة المحلية، رسالة لمناسبة مرور 36 عاماً على تغييب الإمام موسى الصدر التي حملت شعار «القدس معراج رسالتنا»، في حضور عدد من الشخصيات.

ورأى «أنه آن الأوان لكي نهبّ جميعاً لتوحيد الصفوف ونضع حداً لكلّ صراع وشقاق، ونثبت أننا أقوى من الفتن، ونحفظ بلدنا أنموذجاً لتلاقي الحضارات، وصيغة العيش المشترك في هذه القرية الكونية، ونثبت إمكانية حفظ التنوّع في الوحدة، ونؤكد أنّ السير في مشروع المواطنة هو الذي يؤسّس لأكثرية وطنية واحدة».

وأكد ضرورة «توحيد الصفوف لإثبات أننا أقوى من الفتن، وحماية صيغة العيش المشترك، وتثبيت التنوّع في الوحدة»، معتبراً أنّ الوحدة الوطنية تشكل وسيلة لمواجهة الإرهاب والعدوان والتهجير كما كانت وسيلة ضدّ العدوان «الإسرائيلي» عام 2006، وأنّ مواجهة الإرهاب ليست مسألة أمنية أو عسكرية فقط، إنها مسألة تفكيرية تثقيفية وطنية تحتاج إلى تعبئة وطنية وإلى ثقافة وطنية راسخة، وإلى تحصين البيئة الوطنية في مواجهة فكر التكفير والتعصب.

وركز على أنّ التصدي للإرهاب التكفيري ليس مسؤولية السنّة في لبنان، كما أنّ التصدي للعدوان «الإسرائيلي» ليس مسؤولية الشيعة، والتصدّي لتهجير الأقليات ليس مسؤولية المسيحيين.

الصمت الدولي المريب

وانتقد «الصمت الدولي المريب وعدم اتخاذ مواقف دولية حازمة، لانه أدى وسيؤدي إلى كوارث»، محذراً من «الإرهاب وخطره على لبنان وسورية والاردن وغيرها». وطالب بـ«قرارات لدعم سيادة الدول، ووحدة أراضيها ووحدة شعوبها». ولفت إلى أنّ الجيوش الأجنبية التي تنضمّ إلى عناوين الإرهاب في غير موقع وبلد عربي، باتت تهدّد الآن أمن غير بلد عربي منها لبنان وبلدان الخليج والأردن، وطبعاً وأساساً سورية وتستدعي ضبط حركة المسلّحين والسلاح عبر المطارات والدول».

ورأى: «أنّ المطلوب دولياً ليس مواجهة مجزّأة للإرهاب واتخاذ قرارات لدعم جغرافية أقاليم عرقية أو طائفية أو مذهبية أو حتى قومية. إن المطلوب قرارات بدعم سيادة الدول ووحدة أراضيها ومؤسّساتها وشعوبها وتكويناتها لتأكيد انحياز العالم الى نظام المنطقة».

الاستثمار على زيادة قوة الردع الوطنية

وعلى الصعيد الوطني، شدّد على «الاستثمار على زيادة قوة الردع الوطنية التي تميّز الجيش وزيادة عديده وتحديث عتاده وإنجاز إيصال المعدات المطلوبة للجيش من فرنسا بموجب المكرمة السعودية الأولى، وتوظيف المكرمة الثانية وبالسرعة المطلوبة، والانتباه إلى ضرورة تنويع مصادر الأسلحة، خصوصاً أنّ دولاً عديدة عرضت ولا تزال تعرض تقديم سلاح حديث للجيش».

وشدّد على «أن لبنان هو مرآة الشرق، ويجب أن يكون محامي التعايش الذي شكل عنواناً لهذا الشرق العربي العظيم، ويجب ألاّ نألو جهداً في قرع الأجراس وتنبيه العالم إلى خطورة العدوان التكفيري على حق الحياة وحق السكن لمجموعات شكلت منذ فجر التاريخ جزءاً مهماً من تاريخ المنطقة».

الطائفية سياسة

وأكد بري انحيازه إلى المقرّرات التي اتخذها بطاركة الكنائس الشرقية في اجتماعهم الذي انعقد في الديمان بتاريخ السابع من آب 2014 وبالأمس القريب في 27 آب في بكركي، ودعوتهم الى مكافحة آفة التطرف الديني والمذهبي، باعتبار التطرف داءً يهدّد منطقة الشرق بكلّ مكوّناته. وشدّد على النهج الذي رسمه الإمام الصدر، في اعتبار أنّ الطائفية هي سياسة وليست ديناً، والطوائف هي الدين».

وقال برّي: «يجب أن تكون عيوننا مفتوحة باتجاه الجنوب وأن تتوحد على أنّ «إسرائيل» هي التي تمثل التهديد الوجودي للبنان، وأنّ لبنان التعايش بالنسبة لها يمثل نقيضها العنصري، وأنه كان ولا يزال يمثل منافسها المصرفي والسياحي والتجاري في نظام المنطقة، وهي بهذه الصفات إضافة الى حروبها ضدّ لبنان تمثل الشرّ المطلق، وهو الأمر الذي يستدعي أن نتوحّد على أنّ من كانت «إسرائيل» عدوّه فهو عدوّ كافٍ، وأن نأخذ في الاعتبار أنّ أي عدوان «إسرائيلي» سيضعف لبنان وليس فئة او جهة في لبنان».

تعميم المقاومة

وذكر بأنه «في الحوار عام 2006، اتفقنا على أشياء عديدة ولكن لم نتوصل إلى استراتيجية دفاعية واحدة، لماذا؟ كلمة مختصرة: بسبب عدم الشعور الواحد آنذاك إزاء الخطر «الإسرائيلي» وكيفية التصدّي له، هل بالديبلوماسية أم بالمقاومة؟ واليوم بعد أن اصبحت كلّ حدود الوطن مهدّدة جنوباً وبحراً من «إسرائيل»، وبقية الحدود من الإرهاب التكفيري، أصبح الاتفاق على استراتيجية دفاعية وتعميم المقاومة إلى جانب الجيش في كلّ اتجاه، أمراً وطنياً لازماً بل ضرورة وطنية بديهية. ألا يكفي ما يحيط بنا لكي نتوحّد؟ وهل نبقى موحّدين ونحن نذهب إلى تقسيم المقسم»؟

العبور إلى الدولة يستدعي وقف سياسة تعطيل المؤسسات

وشدد على «أنه آن الاوان من أجل ضخ الحياة في مشروع الدولة والعبور فعلياً إلى الدولة ورسم خريطة طريق إلى ذلك يلتزم خلالها الجميع بتنفيذ كامل لاتفاق الطائف بشقيه الدستوري والإصلاحي لا التلاعب استنسابياً بتنفيذه». وأكد: «أنّ العبور إلى الدولة يستدعي التزام الجميع بالدستور ووقف سياسة تعطيل مؤسسات الدولة لحساب أو على حساب مؤسسة أخرى جرى فيها شغور أو استقالة، لأنّ الواقع الراهن يعبّر عن أننا وبدلاً من سدّ العطل دستورياً نمارس التعطيل عضوياً، «إذا واحد وجعو راسو منقطعلو ايديه ورجليه؟» ولعلّ المثل البارز ما حصل بالنسبة الى سلسلة الرتب والرواتب».

إنني لا اريد شرح مسيرة هذه السلسلة منذ الحكومة السابقة إلى اليوم في مجلس النواب، والمحادثات التي جرت والتي لم أترك باباً الا وطرقته ولم أترك امراً إلا وبحثته، وقد توصلنا الى تفاهمات كثيرة بشأنها وأنجزنا إقرار العديد من مواد قانونها بانتظار استكمال إقرارها، إلا أنّ الأمر توقف عند فيتو لا نعرف أسبابه سوى أننا لمسنا أنه بقصد تعطيل دور المجلس التشريعي كما في كلّ مرة ولأسباب ليست دستورية».

الفوضى البناءة ستقسّم المقسّم

وحذر من أن ما يوصف بالفوضى البناءة التي تضرب منطقتنا، ستؤدّي الى تقسيم المقسّم وجعل الكيانات الراهنة فيديراليات وكونفيديراليات، لافتاً إلى أنّ المانع الرئيسي أمام قيام «اسرائيليات» جديدة وأمام تشكيل «الدولة الداعشية» ككيان أمر واقع هو انطلاق العملية السياسية بعد إنجاز كلّ الاستحقاقات في العراق».

العودة الى مشروع فلسطين

وفي الشأن الفلسطيني أكد رهانه على وحدة الموقف الفلسطيني الذي عاد بأبهى صوره خلال مواجهات غزة وخلال مفاوضات القاهرة، لافتاً إلى أنّ ضعف القوة التي أثبتها العدوان «الاسرائيلي» على غزة، يجب أن يؤدّي بنا جميعاً إلى العودة الى مشروع فلسطين والى الاصطفاف خلف هذه القضية المركزية، والى تأكيد انحيازنا جميعاً الى الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وتقرير مصيره وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس».

مخاطبة الإمام الصدر

وكان برّي استهل كلمته بمخاطبة الإمام الصدر، قائلاً: «إنها حكايتنا معك يا سيدي، حكاية الحنين مع الزمان، حكاية الغربة مع الوطن وفي الوطن، وحرمان الجنوب والبقاع وعكار والضنية وأعالي كسروان وجبيل، حكاية العدوان والاجتياحات والمجازر، إنها حكايتنا منذ عهود الاستعمار والاستقلال ومعاناتنا يا وحدنا يا وحدنا، إنها حكاية الاستقلال الذي قام على دولتنا ووقوعنا بين مطرقة العدوان وسندان الاحتلال». وأضاف: «كنتَ مبشراً بالمقاومة إلى أن بدأت مسيرتك في سبيل المشاركة والحوار ورفع الغبن. كانت ولادة حركة أمل على يديك، التي أخذت على عاتقها ردّ العدوان، وكان لها شهداء. إنها حكايتنا معك يا سيدي، بل أنت حكايتنا». وتابع: «لك أحرف فلسطين التي تهدل كالحمام وأوجاعها الكارثية المنتصرة في غزة، لك قلوبنا».

وأكد «عدم التواني عن متابعة هذه القضية منذ تسلّمي رئاسة حركة أمل»، لافتاً إلى «أنه مع ليبيا الثورة لم يكن لنا من همّ سوى الإمام الصدر». وذكر في هذا الاطار بـ«أنه تمّ تشكيل لجنة متابعة رسمية، ولم توفر جهداً، منطلقة من ثوابت تحرير الإمام ورفيقيه، وتمّ إرسال سفير الى ليبيا، ووقف التطبيع معها، والطلب إلى الإعلام مواكبة القضية بكل مسؤولية. كما أنّ هذه القضية لبنانية وعربية وإسلامية، وهي بالتالي غير قابلة للتورّط في الصراعات، لا سيما أنّ قضية الإمام حق».

كما ذكر بـ«أن اللجنة زارت ليبيا بعد سقوط الطاغية، والمتابعة كانت تحصل بمواكبة شخصية مني ومن عائلة الإمام، ولكن كنا نتعامل غالباً من دولة الى دولة، ولكن بعد جهود مضنية بعد عامين كاملين، أرسلت موفداً خاصاً الى رئيس المؤتمر الليبي، وجرى توقيع مذكرة، وأهمّ ما فيها اعتراف الجانب الليبي رسمياً بتغييب الإمام ورفيقيه في ليبيا في عهد القذافي، وإنه لا صحة لمقولة سفره إلى روما، والإقرار أيضاً بحق المنسّق القضائي اللبناني حضور التحقيقات، وتعهّد الجانب الليبي فتح أبواب التعاون والتفتيش عن أماكن احتجاز محتملة».

وأسف لأنه «ما إنْ تم توقيع هذه المذكرة حتى انهارت الأوضاع في ليبيا»، لافتاً إلى «قيامنا بدراسة بدائل حيال هذه القضية التي لا تزال أمام المجلس العدلي، وتمّ تقديم إدّعاء شخصي بوجه مدعى عليهم جدد من أركان القذافي»، مشيراً إلى «أنه في قضية الاختطاف تمّ التركيز على التحقيقات الجديدة»، منوّهاً بـ«عائلة الإمام التي لم تطالب بتعويض مالي، إلا بتعويض رمزي قدره ليرة لبنانية، لأنّ مطلبها تحرير الإمام».

ووجه تحية الى «الجمهورية الإسلامية الايرانية، التي تتابع هذه القضية، والى رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان»، معلناً عن قرب افتتاح الجامعة الإسلامية في بعلبك.

معرض توثيقي

الى ذلك، أقيم في القاعة التي وجه منها بري كلمته في ذكرى تغييب الإمام الصدر، معرض توثيقي بعنوان «الإمام الصدر في رحاب الصحافة»، شمل مواقف وصوراً ومقابلات وحوارات للإمام الصدر في مراحل ومحطات بارزة حتى تغييبه. وقد أعدّ المعرض ونسقه الدكتور جهاد بنوت.

اتصال من سلام

وفي السياق، اتصل رئيس الحكومة تمام سلام، بالرئيس بري، أملاً في أن تشكل هذه الذكرى الأليمة حافزاً للبنانيين على التقارب والتوحد استلهاماً للقيم التي مثلها الإمام المغيّب.

وقال سلام في المناسبة: «إننا أحوج ما نكون اليوم للعودة الى تجربة الإمام الصدر واتّباع نهجه الذي قام على التلاقي حول كلّ ما يجمع بين اللبنانيين». وأضاف: «إنّ رؤية الإمام المغيّب للقضايا الوطنية ومقاربته للحوار الاسلامي – المسيحي، ودوره في التقريب بين المذاهب الاسلامية، يجب أن تكون دليلاً للبنانيين للخروج من حالة الانقسام الطائفي والسياسي التي يعيشونها».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى