مهازل انتخابية…

مهازل انتخابية…

مرشّحات بدون أسماء

راسم عبيدات

لستُ متبحّراً في الدين والعلوم الدينية، ولكن أدّعي أنني على اطلاع واسع، وأعرف أنّ الإسلام وغيره من الديانات السماوية كرّمت النساء وجعلت لهنّ وجوداً وكينونة وحسباً ونسباً، وهي لم تسلّع أو تجمّد المرأة، أيّ لم تتعامل معها على أساس انها سلعة أو مجرد بضاعة، او هي كجماد. فالرسول محمد تزوج من خديجة بنت خويلد «أم المؤمنين»، وتزوج من الصوامة القوامة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مَن قال خذوا علومكم عن هذه الحميراء عائشة بنت أبي بكر، والزهراء هي فاطمة بنت النبي وزوجة الخليفة علي بن أبي طالب، واظنّ انّ الممرضة الأولى في الإسلام هي رفيدة بنت كعب الأسلمية، والحسناء هي زينب بنت حنظلة الطائية… والقائمة تطول، فمن أين جاؤوا لنا بفكرة إلغاء وإقصاء المرأة من الوجود وكأنهم يدعون للعودة الى عصر الجاهلية، عصر وأد البنت. فمع سيطرة ثقافة الجهل والتخلّف والدروشة والحجر على العقول وتسييد الفكر الوهابي، فكر ابن تيمية، فكر الكهوف والسجون، فكر طورا بورا في أفغانستان، وسجون غوانتانامو، بدأنا العودة الى عصر الظلمات والكهنوت وممثلي الله على الأرض، حيث تجد العديد من الدعوات الموجّهة للأفراح حتى من بعض من يسمّون أنفسهم متنوّرين أو مؤثرين في المجتمع ترسل الدعوات بدون اسم العروس، وتجدها إما مختزلة بوردة أو حرف من حروف اللغة الإنجليزية. والآن جاء دور الانتخابات البلدية والمجالس المحلية، لتكشف عورة هذا المجتمع وعورة القوى والأحزاب والمنظمات والاتحادات النسوية والسلطة القائمة بشكل سافر.

فالكتل الانتخابية التي تدّعي أنها ستمارس الديمقراطية وتقديم الخدمات للمواطنين، والبعض منها يدّعي حمل راية الفكر التنويري والتقدمي، كيف لها أن تقبل على نفسها، أن تضمّ كتلتها أسماء فتيات او نساء ملحقات إما بالزوج او ابنة فلان او علان او بلقب أخت…الخ؟ وكأنّ تلك الكتل تخجل من أن تضمّ قائمتها نساء او فتيات، لولا انّ نظام «الكوتا» يفرض عليها ذلك، أو هي بحاجة لتلك الفتيات أو النساء من أجل إيصالهم الى الفوز والمجلس المحلي او البلدي، ولربما بعد الفوز هي ستتحرّج من عقد اجتماع للبلدية او المجلس القروي يجمع النساء والرجال معاً، وستحتاج الى مخاطبتهن عبر «الفيديو كونفرنس»، أو أيّ وسيلة أخرى غير التخاطب المباشر.

تاريخ الشعب الفلسطيني وكفاحه المجيد على مدار مئة عام ونيّف، لم يعرف حالة انهيار قيمي وأخلاقي، وجدب فكري وخواء ثقافي كالحالة التي نعيشها الآن، صحيح أنه في مرحلة الهزائم، يتسيّد فكر الدروشة والجهل والتخلّف والحجر على العقول، ورفض قبول الآخر حتى من المذهب نفسه، وتصبح الإشاعات والأكاذيب حقائق، ولكن يكون ذلك مرحلة عابرة في التاريخ، سرعان ما تتلاشى وتذوب، ولكن ما نشهده نحن الآن يشير إلى أنّ مثل هذه الظاهرة آخذة في التوسّع والتجذر، مستفيدة من سيطرة الفكر الوهابي على الفضاء والمشهد الإعلامي والثقافي والتربوي والتعليمي، حيث يجري ضخ المليارات من الدولارات على وسائل إعلام مرئية ومسموعة ومقروءة ومؤسسات دينية وتربوية وتعليمية وبنية واسعة من المؤسسات الإغاثية والدعاوية، خدمة لهذا الغرض والهدف. ولذلك نقف اليوم أمام مَن يدّعون أنهم علماء دين ورجال إفتاء يقومون بحملة خداع وتضليل واستغلال مقيت للدين، من حيث توظيفه لخدمة أغراضهم ومصالحهم وأهدافهم، حيث تكثر فتاويهم التي تكفّر المختلف معهم في المذهب او الرافض لأفكارهم وتوجهاتهم، وكذلك تركز على طرق استغلال المرأة جنسياً، وأشكال استباحة جسدها، ناهيك عن تصويرها بأنها الشيطان او المفسدة في الأرض، وأنه لا مانع من بيعها أو المتاجرة بها جنسياً، ليصل الأمر في بعض المختلين عقلياً من هؤلاء المدّعين العلم بالدين إطلاق فتاوى الحقد والجهل والتخلف، لتشريع البغاء والدعارة تحت يافطة وذريعة «جهاد» النكاح، في تشويه مقصود للدين الإسلامي ولمعنى ومضامين الجهاد في الإسلام.

لا معنى لأيّ حرية أو تحرير للأرض بدون تحرير الإنسان، ولذلك ما نراه وما نشهده على طول ساحات الوطن وعرضه من «توحش» و«تغوّل» للفلتان بكلّ أشكاله وتسيّد للمافيات والعصابات، وسياسة القمع والترهيب والتخويف ومصادرة الحريات، واستهداف للنساء والفتيات في حرياتهن الشخصية ونمط وطريقة حياتهن، أو التعبير عن أنفسهن ومواقفهم وأشكال مشاركتهن في الأنشطة والفعاليات الجماهيرية والوطنية… إلخ، كلّ ذلك يجعلنا نقول بقاء الاحتلال الآن جاثماً على صدورنا، ليس أسوأ من احتلال المفاهيم الجاهلية للعقول، لأنه لا معنى لتحرير الأرض من المحتلّ، دون أن نحرّر ذواتنا وعقولنا، لأنّ ذلك سيقودنا حتماً الى ما وصلت اليه الأوضاع في الأقطار العربية من فوضى غير خلاقة، وعمليات احتراب مذهبي وقبلي وعشائري، تترك ندوباً وشروخاً عميقة في مجتمعنا، تحوّله الى مجموعة عصابات وقبائل وعشائر ويتفكك المجتمع والوطن على مذبح تلك العصبيات القبلية والعشائرية والمذهبية.

في ظلّ ما يحدث ويمارس بحق النساء والفتيات من حيث شكل المشاركة في القوائم الانتخابية، ومحاولة إقصاء ونفي وجودهن وكينونتهن، وقبول المرشحات بذلك طوعاً أو عبر الإكراه، وسكوت المنظمات والاتحادات النسوية والقوى والأحزاب السياسية والمؤسسات المجتمعية التي تقبل مثل هذا الشكل من المشاركة والتسجيل في القوائم الانتخابية، فإننا حقيقة أمام وضع كارثي، ومؤشر على مدى الانحدار الذي يسير إليه مجتمعنا، من حيث فرض نمط حياة وأشكال تعامل وعلاقات، من شأنها أن تعود بنا إلى عصور ما قبل الجاهلية والظلمات، رغم أنني أشك في أنّ تلك العصور سادت فيها مثل هذه الأنماط من الجهل والتخلف.

المجتمعات الأخرى المتحضّرة والمتجاوزة عقدها الاجتماعية والجنسية، تتبوأ فيها النساء والفتيات مراكز قيادية، تصل حدّ المنصب الأول، بينما نحن ما زلنا نتناقش حول انّ اسم المرأة أو الفتاة عورة أم لا… لن يهزم الجهل والتخلف الحضارة ولن تتقدّم المجتمعات بمثل هذا الفكر.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى