فلسطين والإمام موسى الصدر

عباس الجمعة

القلم عندما يكتب ينحني أمام ذكرى الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، خصوصاً في اللحظات المصيرية التي تمرّ بها المنطقة، من هجمة إمبريالية – صهيونية تستهدف الشعوب والمقاومة وفلسطين، من خلال الأدوات الإرهابية المتطرفة والتكفيرية.

أمام الذكرى الثامنة والثلاثين لتغييب الإمام السيد موسى الصدر، الذي حمل قضية فلسطين في قلبه، وكان أول الداعمين للشعب الفلسطيني وثورته الفلسطينية المعاصرة، حيث كان أول المشاركين في تشييع الشهيد مرعي الحسين إبن مخيم البرج الشمالي، ليشكل ذلك البعد الفلسطيني والحضور الطاغي لقضية فلسطين وتحديات المشروع الصهيوني، والتحذيرات التي أطلقها الإمام من أجل مجابهة هذا المشروع، كي لا يتمدّد إلى جسم المنطقة العربية كلها.

من هنا، نعيش أمام مواقف وخطابات الإمام المغيّب، ونستحضر كلّ ذلك، في ظلّ مرحلة يجري فيها التطبيع من قبل بعض الأنظمة العربية التي تتآمر على فلسطين. نقول ذلك ونحن نؤكد على مواقف الإمام المغيّب، الذي أكد على كلّ عناوين فلسطين، من فقر وتهجير وتشريد ومقاومة وشهادة وفداء، في مواجهة أخطر مشروع تتعرّض له الأمة العربية، في سياق نصه الإصلاحي والجهادي والمقاوم، معتبراً أنّ قضية فلسطين، مع التسليم بأنّ شعبها هو رأس الحربة في مسيرة تحريرها ومقاومة العدو، هي قضية كلّ إنسان عربي ومسلم وحرّ في العالم. وعليه تقع مسؤولية، ليس دعم المقاومة الفلسطينية فحسب، بل الإنخراط الكامل بالمقاومة والإلتزام بها. وأكد ذلك من خلال جعل القضية الفلسطينية في إحدى بنود ميثاق حركة المحرومين أمل ، وهو الميثاق الذي يشكل الأساس الفكري للإنتماء التنظيمي. مشدّداً على السعي لتحرير فلسطين، كأولى الواجبات. وأنّ الوقوف إلى جانب شعبها وصيانة مقاومته والتلاحم معها، شرف حركة أمل وإيمانها، لا سيما أنّ الصهيونية تشكل الخطر الفعلي والمستقبلي على لبنان.

ولذلك، كانت انطلاقة أفواج المقاومة اللبنانية «أمل»، حيث قال سماحته يومها: لا أريد أن أنتظر حتى تحتلّ «إسرائيل» الجنوب، فأسّس المقاومة، التي كان لها البعد الشعبي، داعياً الشعوب والدول العربية إلى مسؤولية الإعداد الكامل، وإطلاق تشكيلات مقاومة لكيان الاحتلال الصهيوني، كي لا يكون العبء على عاتق الشعب الفلسطيني وحده. داعياً إلى تحريم التعامل، أو الاعتراف، أو التعاون مع «إسرائيل»، بقوله «إسرائيل شرّ مطلق والتعامل معها حرام». مشيراً إلى أنّ دعم المقاومة الفلسطينية هو واجب شرعي ومؤكد، في حفل إفطار عام 1969، في فندق «الكارلتون» لجمع التبرّعات للثورة الفلسطينية.

على هذه الارضية، اعتبر الإمام الصدر أنّ القدس هي عقدة الصراع، وهي أكبر من أن تكون بلدة أو مدينة، بل هي عنوان مستقبل المنطقة ومصيرها، بقوله: إنّ القدس هي قبلتنا وملتقى قيمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا، إنها قدسنا وقضيتنا. كما اعتبر أنّ كرامة العرب والمسلمين مرتبطة بحرية القدس والسيادة العربية عليها، وأنّ سيطرة الصهاينة وفرض سلطتهم عليها لتهويدها وجعلها عاصمتهم، هو عنوان ذلّ العرب والمسلمين. وقال: إنّ حياتنا من دون القدس مذلة، لافتاً إلى أنّ التسويات والمفاوضات والإرتهان إلى هذا المعسكر، أو ذاك، لن يعيد القدس، حيث قال للرئيس الشهيد ياسر عرفات، خذ علماً يا أبا عمار انّ شرف القدس يأبى أن تتحرّر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء، كأنه ناظر إلى ما يجري اليوم من تداعيات مريعة ومستقبل أسود ينتظر المدينة المقدسة.

من هنا ناصب الإمام الصدر المشروع الصهيوني العداء، لأنه مشروع معاد ويشكل خطراً ثقافياً حضارياً إقتصادياً وسياسياً. ولهذا رفض الإمام المغيّب التسويات والمفاوضات واللجوء إلى المحافل الدولية والرهانات على هذا الطرف، أو غيره. وأقام أوثق العلاقات مع قادة المقاومة الفلسطينية، خصوصاً حركة «فتح»، فكان السند الحقيقي للثورة الفلسطينية، حيث قال: بعمامتي ومحرابي ومنبري سـأحمي الثورة الفلسطينية، داعياً إلى عدم انزلاقها في مستنقع الأزمة اللبنانية، معتبراً أنّ القبلة يجب أن تكون وتبقى فلسطين، لأنّ العودة إلى فلسطين هي صلاتنا وإيماننا ودعاؤنا، نتحمّل في سبيلها ما نتحمّل ونتقرّب إلى الله في سبيلها بما نتحمّله من متاعب.

ومن موقعي، أقول إنّ الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، ظُلم ولم يستمع إلى نصائحه العديد، لكن العديد أيضاً، قرأ تجربته معه وصحّح مواقفه منه، وهو من دفع ذلك الثمن من إخلاصه الكبير للمقاومة وفلسطين. وهذه الحقيقة اليوم نراها في المشهد، حيث هناك غياب عربي، شبه كامل، عن قضية فلسطين، في ظلّ أوسع عملية تهويد وتغيير لمعالم المدينة المقدسة والإعداد لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث على أنقاضه. مما يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، على محك التجربة الفعلية والالتزام الحقيقي بقضية القدس وفلسطين، لما تحتله القدس في قلب العرب والإسلام، كنصّ وعقيدة ودين وشريعة.

نحن نفتخر بما قدّمه الامام المغيّب وحركة «أمل» وكلّ الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية لفلسطين. ونحن نعتز بالشعب اللبناني اأبي المقاوم ومقاومته البطلة. ولن ننسى العلاقة التي تعمّدت بالدم بين أبناء شعبنا اللبنانيين والفلسطينيين، بمواجهة العدو الصهيوني، على أرض لبنان، أرض الصنوبر والأرز والشموخ والعنفوان والعزة و الكرامة، والزيتون والليمون والصعتر البري والرياحين، وتحديداً في عاصمة العرب بيروت، مدينة الشرائع، التي لم تركع لمحتلّ و لغاصب، على أثر الغزو الصهيوني للبنان عام 1982.

ختاماً، لا بدّ، في ذكرى تغييب الإمام القائد السيد موسى الصدر ورفيقيه، أن نؤكد على الدور الكبير لحامل الأمانة، دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري، الذي لم يترك فرصة من أجل فلسطين وقضايا العرب ولبنان والإنسان والتلاقي، حيث يؤكد في مواقفه كافة على أنّ القضية الفلسطينية تبقى هي الأساس لكلّ ما يحصل، لأنّ القضية أصبحت في خطر بعد البركان الذي انفجر في المنطقة. لافتاً في إحدى رسائله إلى القدس، منطلق الثورة وكلمة سرّ الانتفاضة المرفوعة على الصليب، والمكللة بالشوق والمطعونة في خاصرتها، والنازفة حتى النصر أو الموت، وللضفة، لنابلس والخليل، لشعلة المجد التي تتألف من جبل النار، إلى جنين الأحرار، وللجليل الذي حلف على السيف والمصحف، مع جبل عامل، أن يكونا وشعبهما حتى النصر أو الشهادة. ولغزة التي ميتها لا يموت، ونهارها وليلها لن يموتا، التي ينبت الغار على رفات شهدائها، وتتوالد الأقمار من بيوتها، ويزهر رماد الحرائق بالنخيل على شفاهها، والتي ستزدهر حتماً بالنصر الآتي إنْ شاء الله. ونحن بدورنا، نوجه تحية للرئيس نبيه بري، الذي يشكل رمزاً كبيرا من رموز الأمة العربية. وهو يستحق من فلسطين رسالة وفاء وعهد، بأن نتابع مسيرة النضال والصمود أينما كنّا، وفي أيّ بقعة في الوطن العربي. ونحن بكلّ تأكيد، نقول من حق التاريخ العربي أن ينصف الرئيس بري بأحرف من ذهب، فهو من حمل راية الدفاع عن فلسطين والمقاومة، التي خطّت بدمائها ومعتقليها وأسراها وجرحاها وشهدائها طريق تحرير الجنوب اللبناني، وعلّمت العالم دروساً لا تنسى في النضال على طريق تحرير فلسطين.

كاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى