الهلال الخصيب.. تكفي رقصة الموت
نظام مارديني
كثيرون الآن في حالة هلع من تفكّك خارطة الهلال السوري الخصيب.. وكيف يمكننا الخروج من هذا الطوفان اللاعقلاني المثير للالتباس؟ وما هي الوسائل لإعادة تكوين إنسانية الإنسان؟ وكيف يمكننا إعادة بناء وتشكيل هذا الهلال الخصيب بقيم الحق والخير والجمال؟
هنا يكمن سؤال الثقافة.. قد تكون هذه الأسئلة وغيرها محاولة لترميم نفوس المواطنين وحل إشكالية أزمة الوجود الإنساني وتحويل الهلال السوري الخصيب إلى «سوق» تنافسي لتعايش الأفكار والأيديولوجيات والمشاريع السياسية والاقتصادية والفكرية والتحرّر من الموروثات الإقصائية.. وترميم حقل ثقافة المواطنية في البلاد.
الآن يحاولون التصويب والتركيز على تقسيم أكبر دولتين في الهلال السوري الخصيب العراق والشام «سورية» ، لذا نرى كيف تسود الرؤية اللاعقلانية للجماعات المذهبية والاثنية، وتخلّف سردياتها السياسية والأيديولوجية لصالح خطاب وهمي ذي بنية إقصائية يسعى إلى تقويض الدولتين وإضعاف بنيتهما الصلبة.
لا يمكن مواجهة الواقع التفتيتي للمتّحدين أو الدولتين، إلا بتنسيق عملاني بين بغداد ودمشق.. والتعاون في تقطيع أوصال جحافل «الخليفة» وخلق اهتزازات بنيوية داخل تنظيمه الإرهابي، للحيلولة دون حصول تدهور دراماتيكي بين الموصل والرقة في هذه اللحظة الشديدة الحساسية في المنطقة.
الكل يُقرّ بأن معركة الموصل، كما معركة الرقة، ستكون معقدة جداً، لأن سقوط إحدى المدينتين يعني بداية النهاية على مستوى الديناميكية العسكرية، وإلى حد كبير على مستوى الديناميكية الإيديولوجية، وإن كان هناك من يرى أن زوال «داعش» في الظروف الهشّة، والضائعة، التي تعيشها المنطقة، قد يفضي إلى نشوء ظواهر أكثر جنوناً وأكثر همجية…
الذين ينظّرون للتفتيت تحت مصطلحات الفيدرالية يدركون أن الأميركيين لا يتعاملون معهم أكثر من كونهم زجاجات كوكاكولا او علب سجائر، ما إن تستعمل حتى يلقى بها جانباً وإذا لم تكن هذه هي حالهم الآن، فستكون هذه حالهم غداً لا محالة.
يضحكون في موسكو حين يشيرون إلى الرقة والموصل «ألا تبدو المدينتان وكأنهما قاعدتان أميركيتان ليس للاستعمال التكتيكي فحسب، وإنما للاستعمال الاستراتيجي أيضاً؟». في نهاية الكلام نقول لمن يعنيهم الأمر أن ملف الهلال السوري الخصيب يجب أن يُقفل.. تكفي الرقصة الطويلة، والدموية، مع… الهباء!
ولأننا في موسم التخمينات الساذج، والتحليلات الساذجة، نسأل هل يمكن أن يحدث كل هذا في الشام وفي العراق من دون أن تكون هناك سيناريوات محددة من أجل تفكيك البلدين، ربما وصولاً إلى بلدان أخرى في المنطقة إذا ما أخذنا بنظرية زئيف جابوتنسكي 1923 حول التفتيت البعيد المدى للمنطقة.
لعل برنارد لويس أحد أبرز المختصّين في بنية الهلال الخصيب كان أقل أيديولوجية في مقاربته للمشهد، حين لاحظ أن هذه المنطقة هي عبارة عن شظايا قبلية ومذهبية لا يمكن لتلك الأنظمة أن تستوعبها الى ما لا نهاية.. وعلى هذا الأساس تحدّث عن نشوء دول أخرى في المنطقة، وربما تخوض حرب الالف عام بينها.
الآن، الهلال السوري الخصيب يحتاج الى التضحية.. كفى بقاءه ضحية لهذا التقاطع المدمر القاتل، بين لعبة القبائل والاثنيات ولعبة الأمم.. بين لعبة الكهوف ولعبة الأرصفة… هذا الهلال لا تبنيه طوائف ولا أعراق كـ «الهويات القاتلة» التي بشّرنا بها الكاتب أمين معلوف..!