الإمام الصدر والرئيس بري والعودة للأصول
ناصر قنديل
– ذكرى غياب الإمام السيد موسى الصدر ليست مناسبة لطائفة أو مناسبة لتنظيم سياسي لبناني بعينه، بل هي مناسبة للوطن كله، لكلّ من واكب مسيرة هذه الشخصية الاستثنائية في تاريخ لبنان، وهو القيادي الفكري السياسي الذي أسّس لفكرة، صارت اليوم شعاراً بعد الالتباسات المفتعلة لجعل العلمانية مشروعاً منافساً أو عدائياً للديانات، مشروع دولة المواطنة كان مشروع الإمام الصدر، ودولة العدالة الاجتماعية، بشعاره اعدلوا قبل أن تروا وطنكم في مزابل التاريخ.
– أنشأ الإمام الصدر ثلاثة أطر منفصلة، هي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لإنهاء قضية الطائفية بتوازن المشاركة، وخصّصه بمهمة تنظيم أوضاع الطائفة، وحركة المحرومين وهي حركة سياسية لبنانية تشارك معه في تأسيسها قادة من كلّ الطوائف، يكفي أن نذكر منهم الراحلين بيار حلو وغسان تويني، للدلالة على الجدية الفكرية والعملية بإنشاء تنظيم سياسي عابر للطوائف، يقوم على السعي الجاد لبناء دولة المواطنة، وأفواج المقاومة اللبنانية «أمل» كجسم عسكري سري مقاوم، ينضوي تحت لوائه المؤمنون بالمقاومة كوقاية من العدوان والاحتلال، بدلاً من انتظارهما والسعي لقيام مقاومة تعالج نتائج هذا الاحتلال وذلك العدوان.
– المجلس الإسلامي الشيعي كإنجاز كان بنظر الإمام نهاية لدمج قضية الغبن الطائفي بهوية النظام السياسي، فاعتبر تأسيس المجلس وتوليه مهمة التوازن الطائفي في الدولة والمجتمع نهاية للمهمة بمعناها السياسي، ليتفرّغ هو بهامته وقامته لمهمة أخرى هي التي استحوذت على تعبه ونشاطه وجهده الفكري، هي مهمة الحاجة اللبنانية لذراعين يتحرك بهما وجناحين يطير بهما، وهما حركة سياسية لا طائفية قادرة على قيادة عملية تغيير سلمي للنظام السياسي، نحو صيغة دولة مدنية يحكمها القانون، الذي يحمي تساوي المواطنين بعائدات الدولة وينهي مسيرة الحرمان والتمييز الجغرافي والمناطقي والطبقي، والحاجة الموازية لمقاومة صلبة تحمي وتدافع وتواجه، وتؤسس لموقع لبناني حاسم، لا بل حاكم في الصراع العربي «الإسرائيلي».
– أدى تغييب الإمام الذي كان وزير خارجية غير معلن للثورة الإسلامية، التي كان يعدّ لها الإمام الخميني في إيران، كما كان معاونه الشهيد مصطفى شمران مؤسّس أفواج المقاومة اللبنانية، وزير دفاع إيران قبل وبعد الثورة، إلى تولى الرئيس نبيه بري حمل أمانته، ونجح الرئيس بري بكلّ المقاييس بترجمة الأهداف الثلاثة التي كرّس الإمام حياته لخدمتها، ونجح بأمانة لتحالفاته وحساباته من العلاقة بسورية، إلى الاهتمام بمركزية دور إيران، ودائماً تبقى البوصلة فلسطين.
– نجح بري في تحقيق هدف التوازن الطائفي، ويمكنه بكلّ أمانة أن يقول للإمام ها قد انتهى التمييز الطائفي وتحقق التوازن، ونجح في رعاية الحقبة الأهمّ من ولادة المقاومة التي تشاركت فيها أحزاب وطنية وقومية كبرى تحالف معها وتحالفت معه، وتصدّرت أفواج الإمام الصدر مواقع المقاومين خلال العقد الأول من الاحتلال، وتحمّل بري مسؤولية قيادة هذا العمل المقاوم التاريخي والجبار، الذي كان بوجه تحالف جهنمي مباشر بين وجود القوات المتعدّدة الجنسيات التي تقودها قوات المارينز، مع الاحتلال «الإسرائيلي» الذي بلغ العاصمة بيروت، ومحاولات التفجير الطائفي لحرب أهلية تذهب بوحدة لبنان، وبالتزامن معهما محاولات بناء دولة ترتبط باتفاق سلام مع «إسرائيل» عبر عنه اتفاق السابع عشر من أيار، وقاد بري المعركة المركبة ضدّ المخاطر التي وصفها الإمام بالأمراض القاتلة، «إسرائيل» ومعها أميركا ومعهما اتفاق سلام وحرب طائفية.
– نجح بري بقيادة السفينة اللبنانية، وليس قيادة جمهور الإمام فقط، نحو سلم أهلي ودولة تتبنّى المقاومة، وترجمة دوره القيادي في مقاومة الاحتلال، واتفاق الذلّ الذي جلبه، حتى رحيل قوات المارينز ورحيل الاحتلال إلى خط الشريط الحدودي وإسقاط اتفاق السابع عشر من أيار، وتالياً ولادة دولة السلم الأهلي وتبنّي المقاومة.
– فرضت ظروف الحرب نتيجة لا تشبه الرئيس بري ولا المشروع الأصلي للإمام، وتمثلت بإدماج مشاريعه الثلاثة، فصار المجلس الشيعي وحركة المحرومين وأفواج المقاومة كمهام وأداء، عملياً كأنهم جسم واحد، والمهمة متشابكة بوجه الاحتلال والسعي للتوازن الطائفي، وصارت «أمل» وقيادة بري شيئاً فشيئاً، جزءاً من نسيج لبناني طائفي، وماتت حركة المحرومين ولو ورثت بعضاً من نبضها «أمل».
– اليوم لم يعد ثمة قضية اسمها التوازن الطائفي، فقد تحقق المراد كما وصفه الإمام، وقضية المقاومة صارت بأيد أمينة، بقيادة السيد حسن نصرالله، الذي لا يعيب مع ذكر اسمه اليوم تهنئته بذكرى ميلاده، والقيادة التاريخية للسيد في أمانة المقاومة تعرف وتعترف بتعاونها مع قيادة الرئيس بري في كلّ محافل السياسة داخلياً وخارجياً، ويحتضنها جمهور الإمام نفسه ويشاركها تلامذته وقت الحاجة ميادين القتال، فبقيت القضية الأساس التي لا تتسع لها المقاومة بحلتها الجديدة مع حزب الله، والتي تحتاج وتستحقّ تكريس ميراث الإمام ومكانة الرئيس بري لحمايتها ونهضتها، وهي بناء الحركة السياسية العابرة للطوائف، لتستردّ حركة المحرومين مكانتها ودورها التاريخي الذي رسمه الإمام، ومن حق محبي لبنان والإمام والمؤمنين بوحدة لبنان ومبدأ المواطنة، أن يقولوا للرئيس بري سلمت يداك بما فعلت، لكن أمانة الأمانة لا تزال تنتظر، ولا تخدم الأهداف التاريخية إلا بأدوات تشبهها، فلا دولة لا طائفية يصنعها تنظيم حدوده هي طائفته، فهل دقت ساعة العودة إلى الأصول واستنهاض حركة المحرومين كروح ولو بجسد جديد يتناسب مع المتغيّرات؟
– دولة الرئيس كرجل فكر سياسي، البصمة التي يحتاجها منك لبنان اليوم، هي حركة سياسية عابرة للطوائف، تشبه تاريخك وتشبه علاقتك بفكر الإمام، وتتوّج أداءك لأماناته.