لماذا اقتحمت داعش والنصرة عرسال؟!
يوسف المصري
تحتمل «الغزوة» التي نفذها خلال الشهر الماضي التكفيريون على عرسال أكثر من قراءة في تحليل أهدافها كما تقول شخصية كان لها دور في التعاطي مع هذا الملف في الفترة الماضية. وبرأيه فان سيناريو دخول جبهة النصرة وداعش إلى عرسال كان موجوداً على طاولة المستويين السياسي والأمني اللبنانيين منذ فترة غير قصيرة. وأما الآن وقد تحقق فعلاً هذا السيناريو على الشكل الذي رأيناه الشهر الماضي، فان السؤال هو عن خلفيات اعتدائهم بمعنى آخر ماذا أرادت هذه الجماعات المسلحة التكفيرية بالضبط من ورائه؟ هل أرادت السيطرة على عرسال وبالتالي استدراج الجيش اللبناني إلى معركة بداخلها ستؤدي حتما إلى تدمير البلدة؟
تجزم الشخصية عينها، بالنفي، لأن هذه الجماعات تتنفس لوجستياً من عرسال على كل المستويات، فمنها تحصل على الكثير من احتياجاتها، من بطاقة التلفون الخليوي إلى الماء، إلخ… وبالتالي فهي ليست لديها مصلحة بتدمير عرسال وتهجيرها وشل بنيتها التجارية لأنها تستفيد منها وتشكل لها المتنفس شبه الوحيد للحصول على احتياجاتها اللوجستية.
وبرأيه، فإنه انطلاقاً من بنية معلومات متوافرة حول تفكير الجماعات التكفيرية، فإنها تتجنب استخدام عرسال كرأس جسر للانطلاق منها في هجوم على قرى وبلدات شيعية ومسيحية لبنانية في تلك المنطقة، وبدل ذلك تخطط للقيام بهجمات مباشرة على بلدات غير سنية. وهناك أكثر من سيناريو يوجد حوله معلومات على هذا الصعيد.
ويجزم المصدر أن هجوم عرسال كان هدفه منذ البداية أخذ رهائن عسكريين للمقايضة بهم مع الدولة اللبنانية حول أكثر من ملف، وهذا ما يستكشف بالتتابع في المقبل من الأيام. تريد داعش والنصرة عبر المخطوفين العسكريين تطبيع وجودها كلاعب داخل الواقع السياسي اللبناني اليومي، وهو أمر بدأ يتحقق لها نتيجة وجود قوى سياسية لبنانية لا تزال تعتقد أنه من الأنسب لها وضع رجل في بيدر مناخ داعش والرجل الأخرى في بيدر الدولة. وأبرز مثل على هذا الأمر هو ما حصل من سجال سياسي وردود فعل متناقضة على قضية إحراق علم داعش في الأشرفية.
ويكشف المصدر عينه أن كلاً من داعش والنصرة تريدان استنزاف حزب الله في البقاع الشمالي، وأن هذا الهدف مرتبط برغبتهما بإيجاد مساحة جغرافية للدولة الإسلامية في شمال لبنان. وأكد أن مبدأ «لبنان ساحة جهاد» أصبح أمراً واقعاً وقراراً متخذاً لدى التكفيريين وبخاصة لدى داعش، ولم يعد هناك معنى للجدل البيزنطي الذي تقوده القوات اللبنانية بشكل خاص حول أن لبنان لا يزال «ساحة نصرة».
وبحسب هذا المصدر فإن أجواء تتعاطى على أنها صاحبة مبادرات توسط، تحاول بأساليب ملتوية نقل رسائل داعش السياسية إلى لبنان وليس مطالبها للإفراج عن الجنود المخطوفين. وأبرز رسالة يركزون عليها، هي أن هجومها على عرسال كان رسالة لكل من حزب الله وللدولة، وفي حال لم يحسن هذان الطرفان قراءتها فإن أبواب الجحيم ستفتح عليهما في الفترة المقبلة.
إلى أين تتجه الأمور؟
تجيب الشخصية عينها أن الوضع أكثر من قلق، وأن لبنان على مسافة قريبة من خطر التحاقه أمنياً بأحداث سورية والعراق، وأن المتوقع الآن حدوث محاولات من الجماعات التكفيرية لاقتحام بلدات وقرى شيعية ومسيحية في البقاع وخلق تماسات مشتعلة مع مدينة الهرمل.
وقال لا يمكن الاعتماد على القرار الدولي بمنع انزلاق لبنان لحدث امتداد الحرب الداعشية إلى أرضه، بل المطلوب تزخيم هذا القرار عبر إبداء سياسة وطنية جامعة بمواجهة هذا الخطر، وهو أمر للأسف لا يبدو أنه متوافر، ذلك أن شعار الاعتدال الذي برر الرئيس سعد الحريري عودته إلى لبنان به، لا يوجد توحد في شأنه حتى داخل كتلته أو طيفه السياسي. وهذا ما تم التعبير عنه من خلال كلام أشرف ريفي المعترض على إحراق علم داعش في الأشرفية، وأيضاً تناغمه مع أجواء التظاهرات التي خرجت في طرابلس ومخيم عين الحلوة تأييداً للتكفيريين. أضف إلى ذلك أن طلب الحريري عند عودته من نواب الشمال الثلاثة التراجع عن كلامهم ضد الجيش، لم يثمر. فقط أبو عبد كبارة تراجع أما النائبان الآخران فوافقا على عدم إكمال حملتهما على الجيش، من دون إعلانهما إعادة النظر بمواقفهما.