الغزو التركي للأراضي السورية…التداعيات والأسباب والنتائج
هشام الهبيشان
بداية، لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الاتراك حاولوا وما زالوا يحاولون، المسّ بوحدة الجغرافيا والديمغرافيا للدولة السورية، من خلال السعي للسيطرة والنفوذ على مساحات جغرافية من شمال سورية. فالنظام التركي أظهر، منذ بداية الحدث السوري، رغبته الجامحة بسقوط الشمال السوري خصوصاً، وسورية، كلّ سورية، في أتون الفوضى. ودفع كثيراً باتجاه انهيار الدولة السورية. وهذا الأمر ينطبق كذلك، على أطماع الأتراك في الشمال السوري، فكانت لهم صولات وجولات في هذا السياق، ليس أولها فتح حدودهم بالكامل، أمام السلاح والمسلحين العابر والعابرين للقارات، من تركيا مروراً بسورية وإلى العراق. وليس آخرها، ما جرى من أحداث مؤخراً من غزو لبلدة جرابلس شمال شرق محافظة حلب، حيث يُعتقد أنّ الهدف الرئيسي للتدخل التركي، هو الاستحواذ والسيطرة على جزء من الجغرافيا السورية، لتحقيق مطامع إقتصادية وسياسية تركية. فتركيا لم تأت إلى سورية لمحاربة حزب العمال الكردستاني، أو لضرب تنظيم «داعش» الإرهابي، التي تعتبر هي من أهمّ داعميه وإنما، جاءت لغزو سورية، بعد أن تيقنت بأنّ مساحة المناورة لها في سورية، ضاقت بشكل كبير، بعد التدخل الروسي. ولهذا قرّرت التحرك في شمال سورية، لإيجاد هامش وأوراق مناورة جديدة لها في الإقليم. وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الغزو التركي للأراضي السورية، ما كان ليتمّ، لولا توفر التوافق والدعم لهذه الخطوة التركية، من بعض الأنظمة العربية والغربية.
في هذه المرحلة تحديداً، يمكن القول إنّ المرحلة المقبلة ستشهد، حتماً، تغيّراً ملموساً في قواعد الاشتباك، في الإقليم ككلّ. وكذلك على مستوى القوى العالمية الكبرى، بعد الغزو التركي للأراضي السورية. فاليوم نرى أنّ هناك مباركة إلى حدّ ما، من بعض القوى العربية وغيرها لهذه الخطوة التركية. وهذا الأمر ينطبق، كذلك، على الموقف الأميركي المؤيد للخطوة التركية، إلى حدّ ما. في حين نرى أنّ إيران عارضت هذه الخطوة التركية ووقفت ضدّها. وهذا الأمر ينطبق، كذلك، على الموقف الروسي تقريبا. وهذا الأمر، في حدّ ذاته، وفي هذه المرحلة بالتحديد، يؤكد أنّ جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة، تشير إلى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميين والدوليين. وهذا بدوره سيؤدّي إلى المزيد من تدهور الوضع في سورية، وتدهور أمن المنطقة ككلّ، نتيجة لهذا الغزو التركي للأراضي السورية.
في هذه المرحلة أيضاً، قد يقول البعض إنّ تمركز قوات الأكراد في بلدة منبج، بعد طرد تنظيم «داعش» منها، هو جزء من أسباب التدخل التركي. لكن هنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ هناك الكثير من الأسباب، ما زالت مخفية. وهنا يجب التأكيد على أنّ هذه المسألة، بالتحديد، هي مسألة التدخل التركي وغزو الاراضي السورية. وهي مسألة معقدة جداً. وليس من السهولة التنبّؤ بأسبابها غير المعلنة. والآتي من الأيام، سيحمل مزيداً من الأحداث، التي ستكشف حتماً الهدف الحقيقي للغزو التركي للأراضي السورية.
وهنا، من الطبيعي ان يشكل الغزو التركي خطراً كبيراً على مستقبل الدولة السورية، سياسياً وأمنياً وجغرافياً وديمغرافياً، خصوصاً بعد اتضاح حقيقة التعاون بين الأتراك وتنظيم «داعش». وهذا يؤكد أنّ المرحلة المقبلة ستشهد أحداثأً دراماتيكية، عسكرية وسياسية، ضدّ هذا الغزو التركي للأراضي السورية. وهذا ما يؤكد أنّ الدولة السورية والجغرافيا السياسية السورية، قد دخلت في مرحلة اشتباك دولي وإقليمي جديد، وعلى ضوء نتائج هذا الإشتباك، سترسم من جديد الخارطة السياسية والجغرافية للإقليم والمنطقة العربية ككلّ.
ختاماً، من المؤكد أنّ الغزو التركي للأراضي السورية، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يخطط له الأتراك، من إقامة مناطق عازلة في الشمال السوري. فمحاولة وصل منطقة نفوذ تركية، تمتدّ من شمال شرق سورية إلى شمال غربها، هو مخطط تركي قديم. وهذه الخطوة ستكون لها تداعيات كارثية على أمن المنطقة والإقليم ككلّ.
كاتب وناشط سياسي الأردن
hesham.habeshan yhoo.com