ما الذي طلبه محمد بن سلمان من الرئيس الصيني؟

روزانا رمَّال

ربالرغم من انضمام جمهورية الصين الشعبية الى حلف المقاومة «نظرياً» في الشرق الأوسط والذي يضمّ روسيا وإيران وسورية وحزب الله، وبالرغم من إعلائها الصوت مرتين في مجلس الأمن ضدّ شنّ هجوم عسكري على سورية الى جانب روسيا، إلا انها لم تتعرّض مباشرة لتداعيات الحرب السورية وتكاليفها المعنوية او المادية بشكل يدعو للقلق من مغبة استهدافها كحيثية آسيوية عملاقة دخلت معادلة السياسة الجديدة.

تدرك الدول الغربية الكبرى انّ التعاطي مع الصين ككتلة اقتصادية ضخمة مختلف عن غيرها من الدول، فهذه الدولة تدين لها كبرى دول العالم وبينها واشنطن بأموال وديون لم تدفع كمستحقات حتى الساعة، وهذه الدولة ايضاً صاحبة الصناعات الوافرة والمزدهرة بأقلّ أكلاف الإنتاج أنعشت اقتصادات العالم واغدقت عليها من كلّ ما يلزم لتحقيق توازن اقتصادي ومالي عند الطبقات الوسطى والمتدنية التي تغزو كلّ الدول حتى باتت كبرى الصناعات وأهمّها من سيارات ومعدات صناعية وهواتف نقالة تحمل علامات تجارية بارزة تجمع او تصنع مباشرة في الصين، وهذا كله يعني انّ الحذر مع الصين ضروري لا يمكن أخذه من منظار التحدي او المجازفة مهما كانت الحسابات.

انها المرة الأولى التي يصدف ان تتعرّض فيها سفارة صينية لاستهداف مباشر كذلك الذي جرى في قرغيزستان في اليومين الماضيين. فقد انفجرت سيارة مفخخة قرب بوابات السفارة الصينية في مدينة بشكيك، العاصمة، بحسب مسؤولين في الشرطة هناك الذين أكدوا مقتل شخص وإصابة 3 من موظفي السفارة، وجميعهم مواطنون، جراء الحادث.

واذا كانت التحقيقات الصينية والقرغيزية المشتركة والمستمرة حتى الساعة ستضفي الى تحليلات او نتائج أولية فهي بدون شك تتوجه نحو عملية إرهابية قامت بها عناصر تابعة او موالية لتنظيمات إرهابية على غرار تلك التي تنتشر بالعالم كتنظيم داعش مثلاً، وعلى هذا الاساس تصل الرسالة الى بكين بلونها الأحمر الواضح العلامات: رسالة ضغط من القيمين على الموقف السياسي الصيني ومن يهمّه الأمر انّ الصين ومصالحها حول العالم باتت مستهدفة، واذا كان هناك من رابط للجريمة فانّ الموقف الأخير للصين حول إرسال مستشارين الى سورية وعسكريين للمشاركة في قتال الإرهاب هو موقف غير مرغوب فيه لبعض الدول الغربية والعربية.

في عامي 2012 و2015 حاولت الاستخبارات الاميركية ومعها السعودية اللعب على وتر التهديد نفسه بموجة الحريات التي انتهجتها في الدول العربية فانتشرت تقارير ويكيليكس تتحدث عن تورّط هيلاري كلينتون في التظاهرات المعارضة للرئيس بوتين عام 2011، وهي مشابهة لتلك التي جرت في هونغ كونغ تحت عنوان «تأييد الديمقراطية»، لكن السلطات الصينية استطاعت ضبط الأمور من دون ان تعلن ايّ استدارة من موقفها تجاه سورية. وهي اليوم تترجم هذا بشكل أكبر بالحديث عن نيات تدخل عسكري مباشر في مكافحة الإرهاب في سورية.

لم تتوان واشنطن على لسان الرئيس باراك اوباما اولا والمرشح دونالد ترامب ثانيا عن فضح المسؤولين عن انشاء وتزخيم دور داعش بالمنطقة. فالاول تحدث لمجلة «اتلانتك» عن الدعم السعودي المباشر، والثاني تحدث عن دعم هيلاري كلينتون نشوء هذه الظاهرة وتعزيز التطرف في سورية. وقبلهما صحيفة سانداي تايمز البريطانية عن دور سعودي مباشر كان حينها وزير الخارجية سعود الفيصل على قيد الحياة الذي صرّح مكذباً كلّ ما نشر وكان ذلك منتصف الازمة السورية تقريباً ليصبح مبدأ التكهنات مرفوضاً.

تعرب الخارجية السعودية بشكل لافت عن ادانة بلادها الهجوم «العنيف» الذي تعرّضت له سفارة الصين في عاصمة قرغيزستان «بشكيك» مؤكدة في بيان صحافي تضامن السعودية ووقوفها إلى جانب الصين وقرغيزستان، متمنية للمصابين الشفاء العاجل.. بيان كاد لا يسمع فيه احد ولا يشعر انّ الصين تعرّضت لحادثة من هذا النوع لولا حادثتين… الأولى لفت نظر المملكة ببيانها المستنكر، والثانية زيارة ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان قبل يوم الى الصين، قبل معظم الزائرين تلبية لدعوة سابقة من الرئيس الصيني للملك سلمان في كانون الثاني الماضي والمشاركة بقمة العشرين.

عقد الأمير السعودي عشرات الاتفاقات مع الصين التي من شأنها تعزيز وتعميق العلاقات أكثر في المجالات السياسية، والاقتصادية، والتجارية، والطاقة.

اختارت المملكة توقيتاً هاماً لردّ الزيارة «عشية قمة العشرين» في وقت تعلن الصين عن نيات عسكرية في سورية، ويحقق حلفاؤها إنجازات هامة الى جانب موقف مقلق ومحيّر لتركيا في سورية حسب القراءة السعودية وكلّ هذا قبيل قمة العشرين الحساسة.

تؤكد المصادر الإعلامية مناقشة الملف السوري بشكل وافر بين الأمير السعودي والمسؤولين الصينيين كملف أساسي، واذا كان لرمزية ان يسبق وزير الدفاع السعودي وصول الرؤساء الى قمة العشرين التي ستضمّ الى الرئيس الأميركي، الرئيس الروسي والرئيس الصيني وقادة دول اخرين، فانّ التساؤل بات حول الرسالة التي أرسلت للصين عشية القمة، وما تحمله في طياتها من بصمات ضغط دولي عليها، فماذا عساها أن تكون الرسالة؟

ما الذي طلبه الوزير بن سلمان من الصين بشأن سورية والمنطقة؟ هل الكلام الإيجابي هو تمهيد للتموضع ام هو محاولة لمقايضة الصين بمصالح املاً بتغيير الموقف؟ الأكيد انّ الرسالة وصلت والأكيد ايضاً ان الصين لم تتجاوب، والضغط واضح قبل قمة العشرين الحاسمة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى