حدود قدرات «داعش»

حميدي العبدالله

المكاسب التي حققها تنظيم «داعش» في العراق، ولاحقاً في سورية بعد سيطرته على مقرّ الفرقة 17 واللواء 93 ومطار الطبقة العسكرية، على الرغم من المواجهة التي يخوضها هذا التنظيم ضدّ الجيش السوري والجماعات الإرهابية المنافسة له في سورية، وعلى الرغم من المواجهة الدائرة بينه وبين الجيش العراقي وقوات البشمركة، ورغم الغارات الجوية التي شنّها الطيران الأميركي، ولّدت انطباعاً مفاده أنّ هذا التنظيم يمثل قوة صاعدة يصعب قهرها، وترشحه هذه القوة لتحقيق المزيد من المكاسب في سورية والعراق، وربما في دول أخرى، إذا قرّر توسيع نطاق حربه ومدّها إلى دول غير العراق وسورية.

لا يمكن لأيّ محلل واقعي أن يتجاهل مثل هذه المعطيات أو نكرانها، فما حققه التنظيم ليس بالقليل، ولكن للتعرّف على أسباب هذه النجاحات وحدودها، وبالتالي مدى قدرته على تحقيق المزيد من المكاسب في المستقبل القريب لا بدّ من تحليل أسباب وظروف هذه النجاحات.

أولاً، ما حققه تنظيم «داعش» في العراق لم يكن نابعاً من قدراته الخاصة، وثمة تواطؤ سياسي وعسكري وأمني، إضافة إلى ما يتمتع به من تأييد في المناطق التي سيطر عليها، كان لها الدور الأساسي في تحقيق النجاحات. ولكن في المناطق التي لا يحظى فيها هذا التنظيم الإرهابي ببيئة سياسية وشعبية حاضنة فشل في التوسّع وتحقيق أيّ مكاسب، بل حصل العكس أيّ أنّ قوات الجيش العراقي هي التي حقّقت مكاسب على حسابه حتى وإنْ كانت هذه المكاسب محدودة.

ثانياً، في سورية حقق التنظيم مكاسبه في مواجهة، أولاً الجماعات المسلحة المنافسة له من دون قتال، حيث انضمّت هذه الجماعات إلى التنظيم وبايعته، وزادت من قدرته، أيّ أنه لم يخض معركة جدية للسيطرة على ريف دير الزور، بل استولى عليه في ظلّ ظروف ومعطيات تشبه ظروف ومعطيات تمدّده في العراق، أما نجاحه ثانياً في مواجهة الجيش السوري، وتحديداً استيلائه على الفرقة 17 واللواء 93 ومطار الطبقة العسكري في محافظة الرقة، فهذا أمر كان متوقعاً لأنّ هذه المواقع محاصرة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، وبعد استيلاء «داعش» على معدّات عسكرية متطوّرة من الجيش العراقي، وبعد استيلائه على معدّات التنظيمات المنافسة له في دير الزور، باتت لديه القدرة البشرية والعتاد العسكري الذي يؤهّله للاستيلاء على المواقع المحاصرة للجيش السوري في محافظة الرقة، ولكنه مثلاً فشل في المواجهة مع الجيش السوري في جبهات أخرى مثل حقل الشاعر الغازي، إذ بعد أن استولى عليه «داعش» لم يصمد في مواجهة هجوم الجيش السوري إلا أيام قليلة، وتكرّر ما حدث في العراق، أيّ أن «انتصارات» ومكاسب «داعش» ظلت محصورة في مناطق توفرت له فيها ظروف سياسية وليست عسكرية هي التي ساعدته على تحقيق هذه المكاسب.

في ضوء كلّ هذه المعطيات، فإنّ «داعش» ليس كلّي القوة ويمكن هزمه إذا توفرت الإرادة والتصميم على قتاله، وهذا ما يفصح عن حدود قدراته، ويدحض المبالغات الكثيرة حول حدود قوته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى