روسيف.. أيقونة نور

نظام مارديني

هل نجح عبث الـ سي آي أيه والموساد في أميركا الجنوبية لتستمرّ حديقة خلفية غير مشاغبة للولايات المتحدة، عبر «القبض» على البرازيل وإزاحة الرئيسة ديلما روسيف، التي لطالما اعتبرها فقراء البرازيل، عصفور الحرية وزقزقته وتغريده في وجدانهم؟.. لعل علاقة الغرام القائمة هي العلاقة الخلاقة بين روسيف وشعبها.

أم هي استعادة مصطلح «جمهورية الموز» الساخر الذي يُطلق للانتقاص من دولة غير مستقرة سياسياً أو ازدرائها، ومحكومة بمجموعة صغيرة ثرية وفاسدة؟.. فيُراد لهذا المصطلح العودة من جديد لاستخدامه بطريقة مهينة في بعض بلدان أميركا اللاتينية…

لم يتأخّر موقع ويكيليكس من نشر وثيقة مؤرخة في 11 كانون الثاني 2006، وهي تندرج تحت بند معلومات «حساسة» وليست «سرية».. وتكشف عمالة ميشل تامر لـ «سي آي أيه»، لـ «زعزعة الاستقرار»، الاقتصادي والسياسي في بلاد السامبا، وتنظيم «ثورة ملونة»، من أجل تغيير النظام فيها.. واستبدال أيقونة البرازيل، المتهمة بوضع مصالح شعبها فوق مصالح الاحتكار الأميركي، بأمّعة اوليغارشية فاسدة في البلاد.. و «لكأنهم أبدلوا الفلاسفة بالثعالب».

في ضوء ذلك، فإن إقالة روسيف لا تشكل إدانة لها بل إدانة لمناهضيها المتهمين بالفساد، والانقلاب عليها انقلاب على فقراء البرازيل. وهي لذلك، تستحق هذا التضامن معها من قبل كوبا وفنزويلا وروسيا..، في مواجهة التحامل عليها وعلى تاريخها، وعزلها وإخضاعها للمحاكمة.. أمام حملات معسكر اليمين عليها، وعلى فقراء البرازيل الذين كانوا قد تنفسوا الصعداء خلال 13 عشر عاماً من حكم اليسار، في ولايتين للرئيس السابق للرئيس دا سيلفا وما يقارب ولاية ونصفاً للرئيسة روسيف..

وإذا كانت روسيف قد أخطأت في معالجة الشأن الاقتصادي خلال العامين الأخيرين، فلا يجوز أن تحاسب إلا بحدود خطئها، وليس على اتهامات يجري تضخيمها، ونرفع صوتنا عالياً إلى جانب السيناتور غليسي هوفمان، الرئيسة السابقة لمكتب روسيف، في رفض مبالغات خصوم روسيف التي أشبه ما تكون بصورة كاريكاتورية، تصفها هوفمان بالقول «الأمر أشبه بعقوبة على مخالفة مرور بالإعدام».. بمعنى آخر يجب أن لا ينسى الشعب البرازيلي وصفه لروسيف بأنها «أم برنامج تسريع النمو الذي يموّل استثمارات ضخمة في البنى التحتية في البلاد»..

عُزِلَت روسيف من رئاسة البرازيل.. ولكنها لم تُعزَل من قلوب الشعوب الحرة وستظل تضيء أنوار طريق الطهر ونظافة اليد وخدمة الفقراء والانتصار للمظلومين ومثلاً يحتذى في مقاومة الاستعمار بأشكاله والفساد لتبقى سيدة من نور.

الكرنفال البرازيلي سيبقى يستدرجنا الى الغواية، لأن القلب البشري لكي يكون تقياً، ومتوهجاً، وخاشعاً، يفترض أن يكون قلباً يتحمّل الأجساد اللامعة لراقصات السامبا.

البرازيل التي تملك الكثير من المقوّمات لتكون دولة عظمى أرادت روسيف من ملايين أطفالها أن لا يناموا من جديد على الأرصفة، أو أن تأكلهم الكلاب، كما يريد اليمين وبرمزية ميشل تامر.. إذا ما اُخِذ بكلام الكاتب الشهير خورخي آمادو حول… سامبا الحفاة!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى