حماة على خط النار من جديد… المعادلات والمتغيّرات
هشام الهبيشان
من الواضح أنّ سلسلة المعارك الأخيرة للمجاميع المسلحة في ريفي حماة الشمالي والغربي، ما هي إلا هدف من سلسلة أهداف استراتيجية، كجزء من خطة ورؤية أكبر، لتغيير الواقع العام لطبيعة المعركة على الارض السورية، تزامناً مع ما يجري في جنوب غرب مدينة حلب. وهذا التغيّر، يأتي جزءا من مسار الحسم العسكري، الذي تراهن عليه بعض القوى الشريكة بالحرب على الدولة السورية. الهدف بالأساس، هو محاولة إخضاع الدولة السورية لشروط وإملاءات تحاول بعض القوى الإقليمية الحليفة والشريكة والداعمة للمشروع الصهيو ـ أميركي بالمنطقة، فرضها على الدولة السورية.
هنا، لا يمكن إنكار حقيقة أن محافظة حماة، بموقعها الاستراتيجي في وسط سورية، تشكل أهمية استراتيجية في خريطة العمليات العسكرية السورية، وتحتلّ أهمية استراتيجية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتدّ على طول الجغرافيا السورية. فهي نقطة وصل بين مناطق شمال سورية ووسطها، إضافة إلى كونها تشكل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بمدينة إدلب، غربأً، وحلب شمالاً وشرقاً. وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمحافظة حماة، في خريطة المعارك المقبلة في الشمال والوسط السوري بشكل عام، ومناطق الساحل السوري بشكل خاص.
اليوم، لا يمكن إنكار أنّ خسارة الجيش العربي السوري لمواقعه المتقدّمة في عمق ريفي حماة الشمالي والغربي، سوف تشكل بمجموعها عبئاً ثقيلاً على صانع القرار العسكري السوري- الروسي. وهذا ما دفع بالجيش العربي السوري إلى إعادة ترتيب أوراقه وحساباته، لحجم المعركة في عموم مناطق شمال وشمال غربي سورية، مع الأخذ في الحسبان حجم التدخل التركي ـ السعودي ـ القطري ـ الاميركي ـ الفرنسي، مؤخراً والإمداد العسكري بأشكاله كلها، الذي يوفره هذا الحلف للمجاميع المسلحة الإرهابية العابرة للقارات، بعموم هذه المناطق.
هنا، يمكن القول إنّ المجاميع المسلحة وداعميها، بعموم هذه المناطق، استوعبوا وتكيّفوا مرحلياً مع ظروف معارك حماة. ويبدو أنّ منظومة الصواريخ المتطورة، التي استخدمتها المجاميع المسلحة بشكل واسع، في معارك ريفي حماة الشمالي والغربي، ومنظومة الحرب الانغماسية التي استعملتها المجاميع المسلحة بمعاركها الأخيرة، إضافة إلى المئات من القوقازيين والشيشانيين وغيرهم من الإرهابيين العابرين للقارات، الذين تحدثت وسائل الإعلام عن فصول ومراحل عبورهم من الأراضي التركية باتجاه سورية، مؤخراً، من الواضح أنها بمجموعها أثرت «مرحلياً» بشكل أو بآخر، في طبيعة المعركة بعموم ريفي حماة الشمالي والغربي. ومن خلال هذه العوامل، يبدو أنّ المجاميع المسلحة، ومن خلفها داعميها، بدأت فعلياً برسم ملامح جديدة لطبيعة المعركة في عموم مناطق ريفي حماة الغربي والشمالي بالوسط السوري. وقد أثمر هذا التكيّف والدعم المستمرّ للمجاميع المسلحة، من حلف واشنطن، عن استعادة زمام المبادرة من قبل المجاميع المسلحة وداعميها. وهذا ما أنتج مرحلياً، مجموعة انتصارات ميدانية لمسلحي «جند الأقصى ـ جيش العزة ـ جيش النصر» ببعض بلدات وقرى ريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي.
وعلى المحور الآخر، وبعد التقدّم المتسارع للمجاميع المسلحة بريفي حماة الشمالي والغربي، يمكن أن نقرأ وبناء على متغيّرات الساعات الأخيرة، أنّ هناك تطوراً ملموساً ونوعياً في عمليات الجيش العربي السوري، بمحيط عموم المناطق التي سيطرت عليها المجاميع المسلحة مؤخراً. والواضح أنّ خطط القادة الميدانيين في الجيش، اتجهت بالمنحى الإيجابي، فالخريطة العملياتية والتكتيكية والاستراتيجية وتبادل الأدوار والانتقال من خطة إلى أخرى، والتكيّف مع ظروف المعركة بسلاسة ملحوظة، هذه المتغيّرات التي أدارتها بحرفية وحنكة ملحوظة القيادة العسكرية الميدانية للجيش السوري، بساحات المعارك في المناطق المذكورة أعلاه بمجموعها، أثمرت، وبعمليات نوعية وخاطفة، عن ضرب الخطوط الهجومية الأولى للمجاميع المسلحة الغازية، مما ساهم، بشكل أو بآخر، بشلّ قدرة هذه المجاميع المسلحة على التقدّم نحو مناطق جديدة، خصوصاً نحو بلدة محردة الاستراتيجية.
اليوم، من المتوقع أن يقوم الجيش العربي السوري بتقطيع أوصال طرق إمداد المجاميع المسلحة الغازية. ومن المتوقع أن تتصاعد وتيرة الضربات الجوية السورية ـ الروسية، لضرب خطوط إمداد هذه المجاميع المسلحة. على محور مواز، يمكن قراءة الواقع المستقبلي وبشكل منطقي وأكثر واقعية، بأنّ عملية الإرباك والحرب الإعلامية، التي صاحبت غزوة ريفي حماة الشمالي والغربي، بدأت منظومتها بالانهيار التدريجي، وستكون نهايتها الواقعية والمنطقية هي الهزيمة. فاليوم، مهما حاولت قوى العدوان وأدواتها على الارض السورية، إحداث واقع جديد على الأرض، أو إظهار صورة ميدانية تعكس فشل المسعى الروسي، فمصير كلّ ذلك هو الفشل، والساعات الآتية ستؤكد أنّ الجيش العربي السوري وبدعم من حلفائه، قادر على استعادة زمام المبادرة العسكرية والتقدم بشكل كبير بعموم هذه المناطق.
ختاماً، من الواضح أنّ منظومة الأهداف التي عوّلت عليها المجاميع المسلحة وداعميها بغزوتهم لريفي حماة الشمالي والغربي، ستبدأ بالتهاوي، واليوم، نرى أنها تعيش فترة ترنّح ما قبل السقوط، مع مؤشرات تؤكد بداية سلسلة الانهيارات التي تتعرّض لها المجاميع المسلحة الغازية لريفي حماة الشمالي والغربي. وعلى قاعدة سلسلة انهيار أحجار الدومينو، اليوم، القيادة العسكرية السورية تدير معركة ريفي حماة بكلّ حرفية، والهدف الأقرب لهذه المعارك، التي يقودها الآن بعض القادة الميدانيين بالجيش العربي السوري، هو الانطلاق نحو استرداد المناطق التي خسرها الجيش مؤخراً، تمهيداً للتقدم نحو حلفايا بالريف الشمالي لحماة. والأيام المقبلة ستكون حبلى بالتطورات وستشهد تغيّراً ملموساً وواضحاً في طبيعة المعارك بعموم ريفي حماة الشمالي والغربي. فاليوم، الجيش العربي السوري استعاد زمام المبادرة وانتقل من مرحلة التموضع وبناء خطوط الدفاع، إلى مرحلة الهجوم واستعادة الأرض. ومن هنا، سننتظر الأيام العشرة المقبلة، التي ستعطينا إجابات منطقية وأكثر وضوحاً وواقعية، من مجمل التغيّرات التي سنشهدها بالساحة العسكرية الحموية، بشكل عام، والإدلبية بشكل خاص، وعموم الساحة العسكرية السورية.
كاتب وناشط سياسي الأردن
hesham.habeshan yhoo.com