الأحمد: الثقافة تنهض في سورية لتنفض غبار الحرب الآثمة

رانيا مشوّح

بعد مرور عشرة أيام من النَّهم الثقافي والحضور المتشوّق، ودّع السوريون معرضَ الكتاب، إذ اختُتمت الدورة الثامنة والعشرين أعمالها في مكتبة الأسد في دمشق، والتي بدأت في الرابع والعشرين من آب الماضي واستمرت إلى الثالث من أيلول الجاري، وذلك بعد توقّف قسريّ دام لخمس سنوات بسبب الحرب الكونية التي تشنّ على سورية.

شاركت في المعرض عشرات دور النشر السورية والعربية، عارضةً باقة منوّعة من الكتب في كافة الاختصاصات والمجالات، وكتب الأطفال. كما شهد المعرض على هامشه عدداً من الفعاليات الفنية والأدبية.

وفي ختام فعاليات المعرض، عقد وزير الثقافة السوري محمد الأحمد مؤتمراً صحافياً في القاعة الصغرى في مكتبة الأسد، قال فيه: أتمنى أن تكون فترة الأيام العشرة الماضية كما تمنّيناها في وزارة الثقافة أن تكون. فمع استلامي الوزارة، عرض هذا المشروع الأستاذ صالح الصالح مدير عام مكتبة الأسد الوطنية، والأستاذ هيثم الحافظ، ووافقت الوزارة عليه، وقد فاق هذا المشروع توقّعاتي لأنني لم أتوقع أن يحقق المعرض هذا التواجد الكبير للناس، وبصراحة كنت متوجّساً بعض الشيء. ومن خلال خبرتي في مجال المهرجانات والمعارض، أرى أن المهرجانات حالة تخرج عن السيطرة. كما كنت متوجّساً من أن لا تسعفنا الأمور اللوجستية. ولكن حقيقة، باعتراف كلّ من حضر وشارك وكلّ من واكب هذا المعرض منذ سنوات وسنوات، كان هناك إجماع على أن هذه النسخة من المعرض قد حققت الغاية المرجوّة وحققت نجاحاً كبيراً وحققت ما أردناه أن يكون رسالة مفادها أنّ سورية هي بلاد الحضارة وهي موطن الأبجدية. فلا بدّ أن يكون معرض الكتاب من المعارض التي ستنجح، وقد نجح بجهود كلّ الذين تعاونوا بودّ وإخلاص ومحبّة ودأب.

وأضاف: بعد غياب دام خمس سنوات بسبب الحرب التي ألمت بالوطن، عاد معرض الكتاب الدولي إلى الساحة الثقافية السورية، نهضت الثقافة في الوطن لتنفض غبار تلك السنوات المنصرمة بقلقها، ولتقدّم للقارئ السوري في الدورة الثامنة والعشرين من المعرض ما يبتغيه. حيث أقبل القارئ ومقتنو الكتاب إلى المعرض بمشهد يليق بمكتبة الأسد الوطنية التي ضمّت أكثر من سبعين دار نشر، ومجموعة من الفعاليات ضمن هذا الطقس الجميل الذي اشتقنا إلى إعادة إحيائه في حياتنا الثقافية.

وقال الأحمد: معرض الكتاب هذه السنة أقيم كما العادة برعاية كريمة من الرئيس الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية، وافتتحته نائب رئيس الجمهورية الدكتورة نجاح العطار. والحقيق،ة كانت أنواع الكتب وألوانها تدعو إلى حالة من الإصرار والتحدّي ضدّ ثقافة التدمير وسفك الدماء وقطع الرؤوس وتغييب الحضارة، وإشارة إلى أننا في سورية رافضون مثل هذا النهج التخريبيّ التدميريّ. ففي افتتاح المعرض تعود هذه الحياة التي نحكي عنها إلى مكتبة الأسد وبرفوف امتلأت بصنوف اعتدنا أن نتابعها.

وعن دور مكتبة الأسد وجهودها في إضفاء روح جديدة إلى المعرض قال الأحمد: أحيّي الأستاذ صالح على مسألتين في مكتبة الأسد، أولاهما معرض الكتب النادرة والمخطوطات الأثرية والتاريخية، والثانية تتمثل بالمعرض الآخر للمقتنيات التراثية، هذه الخطوة أتت جديدة على معرض الكتاب في دورته الثامنة والعشرين. والحقيقة، كان المعرض أشبه بمتحف فكريّ فيه الكثير من القيمة والمعرفة ضمن وسائل كثيرة متاحة. وإضافة إلى المعرض، كانت هناك أنشطة موازية وندوات وعروض أفلام سينمائية.

وأضاف: أنا شخصياً كانت لديّ بهجة خاصة إذ استذكرت فترة ألق هذا المعرض ونشاطاته في الدورات السابقة. وهذا كان مؤشراً حقيقياً على دلالة رمزية هي البوصلة السورية لعودة سورية والألق الذي تميّزنا به. عودة المعرض دلالة على أن سورية ولّادة بالثقافة والإبداع، فهي بلاد الأبجدية وموطن الحضارة وكان المعرض يحاول بشكل حثيث إعادة الكتاب إلى حضن كلّ مواطن لأننا بأشدّ الحاجة اليوم في هذه الفترة بالذات إلى عودة الوعي والمعرفة وإلى التأمل بأمور كثيرة مررنا بها في فترة الأزمة، التي توقف فيها المعرض، وكان لا بدّ لنا في وزارة الثقافة أن الاهتمام بالكتاب، لأن الكتاب هو الأساس الثقافي لأيّ إنسان مهما تباينت لغته ودلالته والحضارة التي ينتمي إليها. كان المعرض عرساً بامتياز، دأبت على تثميره الثقافة السورية الأصيلة وأرواح المعنيين بالمعرفة والثقافة وهذا دليل على تثبيت إرادة الحياة لدينا.

كما أشار الأحمد إلى غياب عدد من دور النشر العربية والعالمية حيث قال: ربما يأتي من يتساءل أن بعض دور النشر لم تكن موجودة، سواء كانت سوريّةً أم عربية. نحن اتفقنا على أن هذا المعرض هو بداية جيدة ومشرقة، ربما نأمل أن تكون المشاركة أقوى خلال السنة المقبلة، ولمجرّد إقامة هذا المعرض اليوم، والأمان الذي أحيط به، ربما يكون هذا حافزاً السنة المقبلة لدور نشر أخرى لم تشارك هذه السنة، لتأتي إلى دمشق من دون خوف أو وجل، ومن دون حياء، لأن الأقنعة برأيي سقطت، وبان الحق من الباطل.

أما عن دلالة المعرض ورسالته الرئيسة فقال الأحمد: رسالة المعرض موجّهة إلى الصغير والكبير، وإلى الصديق والعدو. للصديق نقول إننا بخير، وللعدو نقول إنه هُزِم من خلال الكتب التي رأيناها تملأ الرفوف، ويشتريها الأطفال والشباب والكبار، ومن خلال حضور الناس والأسَر السورية التي كانت تتدافع وربما تضحّي باحتياجاتها اليومية الكثيرة. كلنا نعلم اليوم أنّ الواقع المالي صعب، وأن الناس لديهم أولويات في حياتهم. أنا أعرف أشخاصاً ضحّوا بأساسيات العيش كي يدخلوا هذه المكتبة في هذه الدورة، ليقتنوا الكتب التي ستعيدهم إلى أجواء عاشوها في السابق. كانت عودة المعرض هذه السنة ضرورة حضارية تعني أن سورية تستطيع النهوض والمقاومة والاستمرار في الحياة على رغم كلّ الظروف القاسية والطاحنة التي تعرّضنا لها، كما أن رعاية رئيس الجمهورية للمعرض دلالة واضحة على المكانة الكبيرة التي تشغلها الثقافة والكتاب في ضميره ووجدانه وفي ضمير كلّ السوريين بشكل عام.

وفي إجاباته على أسئلة الصحافيين الحاضرين في المؤتمر، لفت الأحمد إلى عدد من النقاط حيث قال: نحاول دائماً أن تكون مسألة الأسعار ضمن المستطاع. استفسرتُ عن كتاب من دار نشر لبنانية بيع بثمانية آلاف ليرة سورية وثمنه الحقيقي 25 دولار أميركيّ، فإذا حوّلته سترى أن الرقم أعلى بكثير، ونحن نعرف أن الورق أصبح أغلى مما كان عليه. جميعنا كمواطنين سوريين في كلّ أساسيات الحياة فُرضت علينا مبالغ ربما لم تكن كما اعتدناها سابقاً. حاولنا بكلّ جهودنا أن يكون الكتاب متاحاً، وفي ما اطّلعت عليه هناك كتب كانت مرتفعة الثمن إلى حدّ ما، ولكن بشكل عام وإجمالي كانت الأسعار قياساً بما هو سائد وبما هو متعارف عليه، أعتقد أن الأسعار كانت طيّبة بمجملها، وسنحاول ما أمكن في الدورات المقبلة تلافي هذا. فكما أشرت إليه، هذه الدورة هي بروفا للدورات المقبلة.

وعن التواجد الكثيف للكتب الدينية تحدث الأحمد: الكتاب في النهاية هو سلعة، ودور النشر تُقبل على المواضيع التي تؤمّن مبيعاً أكثر. الحقيقة أنّ مكتبة الأسد كانت لطالما تحرص على اقتناء كافة أنواع الكتب وألوانها من قصص ونقد ودين وتراث. أعتقد أن وجود الكتاب مسألة تنوّع وإقبال، نحن في مكتبة الأسد نستقبل كلّ العناوين وكلّ ما يرسل لنا، ونتيح فرصة لكي يكون هذا التنوّع قائماً وموجوداً. واليوم، الكتب التراثية والدينية لها تواجد كبير بين القرّاء. ومن هنا راعينا أن يكون لها تواجد كبير بين الكتب.

وعن الخطوات المقبلة لإعادة إحياء معرض الكتاب والتظاهرات الثقافية قال الأحمد: وزارة الثقافة لطالما كانت غنية بالشركاء، ومن هنا آثرت أن تكون العلاقة مع اتحاد الناشرين السوريين أكثر فعالية وتأثيراً، ومع جهات أخرى كاتحاد الكتّاب العرب التي كانت متوقفة لأسباب لا أريد الخوض فيها. نحن مؤمنون في وزارة الثقافة أن التشارك هو الفعل الأسمى لبلوغ ما نصبو إليه. لا يمكن لجهة بعينها مهما كبرت وتعاظمت أن تقدّم نتاجاً فكرياً وثقافياً وحضارياً من دون التوكّؤ إلى الآخرين. نحن في وزارة الثقافة سنعتبر المرحلة المقبلة هي مرحلة تشاركية بامتياز، نحن لا نستطيع أن نكون بمنأى عن الأصدقاء الذين يعملون في حقول الثقافة. كان هناك فكر للأسف تبلور في السنوات المنصرمة، ومفاده تلك الخشية من التعامل مع القطاع الخاص، وغياب هذه اللحمة بين القطاعين أخّر الكثير من الخطوات التي كنا يجب أن نخطوها في كافة مجالات الثقافة كالسينما والمسرح والفنّ التشكيليّ. لا بدّ من هذه التشاركية، وسنعمل على تعزيز هذه الفكرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى